|
ملتقى المواضيع العامة منتدى المواضيع العامة والنقاش الهادف |
![]() |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
أنتم شعب متمدن وليس متحضراً !!
فؤاد مصطفى عزب أنتم شعب متمدن وليس متحضراً !! استيقظت صباحا على ضوء شمس «سدني» تتسلل من أطراف النافذة.. كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة بقليل.. نهضت بنشاط وروح متمردة على بلادة أيام «الأحاد» انطلقت كالفرس الرشيق في سباق جمال الفرسان وجهت أدراجي نحو مقهى عربي يملكه مهاجر لبناني.. لا منجنيق معي ولا مدفع ولا بارود.. كنت أبحث عن سلام في يوم جديد.. استرخيت في مقعدي.. تناولت صحيفة محلية وأخذت أقلب صفحات الصحيفة بضجر.. تسجيلات قديمة نادرة لموسيقى شرقية تنتشر في أجواء المقهى.. مقطع من أجمل ما تغنت به أم كلثوم يتسرب إلى أذني من أغنية «فكروني» يا حياتي أنا كلي حيرة ونار وغيرة وشوق إليك نفسي أهرب من عذابي نفسي أرتاح بين ايديك.. تمتمت بصوت لا يسمعه غيري جرحوا القلب الي قرب يبقى زكرى.. سهروني أعيش لبكرة وبعد بكرة.. ياه منذ زمن طويل لم يهتز قلبي صباحا لأغنية هكذا.. لفت انتباهي في الطاولة المقابلة رجل أشقر كالتين المطبوخ كانت تطوق عنقه قلادة ذهبية خشنة عليها شعار «السعودية» كان جالسا منهمكا في إخراج «الآيباد» وتثبيت «الهدفون» بأذنيه وكأنني غير موجود.. ثم لما وجدني أتفحصه تبسم لي بلطف ورفع يديه بالتحية.. تقدمت منه تملكتني شحنة وجدانية طاغية لمعرفة علاقته بالقلادة التي تحيط بعنقه.. دائما أرتكب كوارث مشابهة في كل مكان أسافر إليه أحاول أن أكتشف كنوز الحياة اليومية المتناثرة حولي ففي كل مفردة عابرة وحدث مشروع مقال مؤجل.. عرفته بنفسي.. رحب بي ودعاني للجلوس معه.. اكتشفت أنه من الأستراليين الذين عملوا في «أرامكو» طلبت فنجان قهوة ساخنة وقطعة بسكويت.. كانت محطة الجزيرة الإنجليزية تبث نشرة الأخبار الدامية وبصوت عال كعادتها.. التفت إلي متهكما قائلا ألا زلتم تتقاتلون !! أخذت أفكر بمقصد كلامه.. هل هو جاد.. أم أنه يسخر منا !! حاولت أن أتجه بالحديث إلى منعطف مختلف.. سألته عن تجربته وانطباعه عن «السعودية» نظر إلي نظرة تشبه هبوب عاصفة صحراوية مباغتة.. قال لي عشت أجمل أيام حياتي في السعودية وأحببتها كبلد وأحببتكم كشعب لديه تراث وقيم ثمينة.. كنت أراقبكم تتمدنون كل يوم وتخاصمون التحضر كل ثانية.. كنت أحاول أن ألتقط البذور الضائعة في تراب أفكاره.. بقيت صامتا.. قال لي لديكم صحراء ساحرة كنت أسلك وحيدا «بالرنج روفر» دروبا ترابية متعرجة وأتوغل في الكثبان الرملية أتعلم من صحرائكم الجميلة.. وتعلمت أن كسر العود الأخضر في بلادكم إثم كبير وأن البدو ليسوا بالخشونة المتوارثة عنهم إذ أن هناك مناطق خضراء تنمو في الصدور المنهكة من الغبار والترحال والفجيعة وحكايات عشق منذ أن شهق عنترة لمرأى عبلة إلى آخر صوت مخزون في البراري.. ثم ضحك ضحكة يأس جافة وأكمل رغم ذلك اكتفيتم بما توفره الحظيرة من علف يومي دون أن ترفعوا أعناقكم إلى أبعد من السياج ويبدو أنكم ستدفعون من أعماركم مقابل ذلك فقد تمدنتم ولكنكم لم تتحضروا.. كان الكلام يرتعش كشرارة دافئة تحت جلدي.. سألته ماذا تقصد ؟ قال لي لقد حولتم بلادكم إلى «مول» لتسويق كل ما هو حديث ولكن للحضارة قوانينها.. لديكم طرقات فسيحة وتعتلون الأرصفة ولديكم إشارات مرور لا تقفون لها.. لديكم مدارس تدعو للفكر ولكن مناهجكم تقول عكس ذلك.. تبنون كباري للمشاة لكن لا تستخدمونها.. تضربون العملة كوسيلة متمدنة للشراء ولكنكم لا تعرفون قيمتها.. تقتنون أغلى الساعات الفاخرة ولا تلتزمون بالمواعيد.. البشر يشترون العربات ليصلوا إلى أهدافهم أنتم تشترونها لتقتربوا من الموت.. أنتم تعتقدون أن العشوائيات تقرح عمراني لا مناص من إزالته وتزيلونها بعنف بينما الشعوب المتحضرة تعتبرها نموذجا من نماذج الهندسة المعمارية والتنظيم المجتمعي المقبولة.. استمر يسرد ذكرياته بحيوية شاب في العشرين قال لي لقد عشت في قرية «أرامكو» قضيت فيها أربع سنوات متتالية كنت منبهرا بها تماما ثم أدركت بعد فترة أنني أعيش في مدينة خيالية مذهلة تشبه العاب الكمبيوتر الحديثة.. كل شيء متاح وممكن ونظيف وبراق، لكن ليس فيه لمسة إنسانية بشرية.. كنا كالدمى أو الربوت.. كنت أستمع إليه بشغف وفضول وأقاطعه أحيانا كالبغل العنيد.. كنت كالديك المنفوش عندما يدخل في صراع أجادله..أشحت إليه بالرفض.. قلت له لسنا كلنا كذلك.. البعض القليل منا يفعل ذلك.. استطرد كآلة «جرامفون» عتيقة وأخذ يضحك ضحكة خالصة من القلب ويدس الملعقة في كوب القهوة.. ما تفعله الآن يؤكد حديثي فأنتم اختصرتم حاسة الحواس كلها في فم تتحدثون أكثر مما تسمعون.. قلت له بنزق كالتلميذ الخائب الذي وجد نفسه فجأة في غرفة المدرسين، هذا هو الشرق يا سيدي كما رأيته فهل يستطيع العالم الأول بكل إمكانياته العقلية والمنهجية السيطرة على عقائده على سبيل المثال !! أجابني بقوة سفينة مبحرة وبصوت معدني لقد صرتم تحاطون برمال متحركة وبراكين قيد الانفجار ولا زلتم تعيشون بطمأنينة لا تختلف عن طمأنينة الجمل الذي يجد طعامه كل يوم ولا يفكر بالغد.. أنا محب لوطنك ولكم.. أقول لك كل ذلك علكم تستفيقون، وودعته وغصة في حلقي وأنا أشعر أنني خسرت المعركة حتى آخر قذيفة.. أتساءل وأنا أخطو إلى مهجعي.. هل الأسترالي كان فعلا على حق !!. |
![]() |
#2 |
متميز بقسم الاخصائين الاجتماعين
![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
السلام عليكم
بصراحة اوافق الاسترالي في كل كلمة قالها وقد يعترض البعض علينا ولكن لا مناص من الاقرار بالحقيقة ثم نفسح المجال للنقاش في قياس نسبة الموافقة والرفض ومداه وكميته !! كل هذا لا يهم ولكن لما لا نحاول فهمه وندرس مسبباته ؟ اليس هذا هو المطلوب !! بصراحة كثير من السلبيات لدينا متجذرة في اعماق النسق الاجتماعي لانها تراكمات تكلست وتحجرت بفعل التضاريس التاريخية والمناخات الثقافية كان انتقالنا من مرحلة البداوة الى (التمدن) سريعا وغير مسيطر عليه وهو ما يخالف قوانين (التغير الاجتماعي) الذي يتطلب ان يصاحبه توجيه واعي واستشرافي يعمل على خطط طويلة المدى بدلا من الخطط القصيرة سريعة الاهداف وسهلة التنفيذ ان الفرس الاصيلة غير المروضة لا تعدو كونها وحشا صاهلا ضرره محقق ولكن بعد ان تساس وتروض تأسر القلوب وتذهل العقول بجمالها ولطافتها وحسن انطلاقها وأنفتها وهيبة وقفتها وانسياب حركتها موضوع يستحق التأمل ..شكرا ابو فهد ![]() |
التعديل الأخير تم بواسطة (فـ@ـد) ; 2016- 6- 10 الساعة 02:38 PM |
|
![]() |
![]() |
#3 |
:: مشرفة ::
ملتقى الصور و عالم التصوير ![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
البعض منهم وليس الكل متمدن ولكنه ليس متحضر ، مفهوم الحضاره ليس بشراء مقتنيات بأسعار خياليه او بناء مول او الملاعب وغيرها او شرا اغلى الماركات بل العكس الحضاره التي يقصدها الاسترالي الثقافه والقيم والاخلاق نعم هو محقا عندما قال تدعون الفكر بالمدارس لكن الواقع يخالف ذالك عند التدريس تعلمنا حب التسامح ، العفو،التعاون،التواضع لكن عند التطبيق في الواقع البعض فقط ييطبقه ام الاغلب يرا الغرور، التكبر، العنصريه ياخذون ماتربو عليه ويرمون ماتعلموه بمعني يلغون العقل ويتبعون ماللفو عليه ..ويظنون هو التحضر بعينه.
شكرا ع الموضوع ![]() |
![]() |
![]() |
#4 | |
مُتميز في ملتقى الفنون الأدبية
![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
اقتباس:
اهلًا بك اخي فهد أنرت المتصفح بشذى عطور حرفك حضورك جميل جداً وتعليق يليق بفكرك ما أجملك فهد وما اجمل هذا التشبيه البليغ جداً مشكلة اجتماعية تواجهنا في عملية التحول فلا بقينا على حالنا البسيط ولم نطبق ذلك التحول مما أفقدنا هويتنا دام تواجدك وفكرك اخي العزيز ![]() ![]() |
|
![]() |
![]() |
#5 |
أكـاديـمـي نــشـط
![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
مرحبا بك مشعلي وبالأخوة الأكارم هنا .. طبيعة هذا النوع من المقالات الصحفية يكون خفيف ويهتم بالفكرة العامة دون تحليلها تحليل دقيق وقد يتساهل في استعمال المصطلحات والمفاهيم بدلا من محاولة ضبطها أو تحديد مقصده بها على أقل تقدير .. فماذا يقصد الإسترالي مثلاً بالحضارة ؟ وهل هي مغايرة للتمدن ؟ ثم هل نحن إزاء مفهوم أوحد للحضارة ؟ أم أننا إزاء حضارات ؟ بمعنى أن مفهوم الحضارة –برأيي- هو مفهوم تاريخي مُتأثر بالمكان و الزمان وليس ثمة مفهوم جوهري ثابت يتعالى على الزمان والمكان يشكل مضمون الحضارة ، فوجود ممارسات للتجارة بالرقيق (العبيد) في العصور الماضية لا ينفي صفة الحضارة عن تلك المُجتمعات .. هذا فيما يخص مفهوم الحضارة والذي هو برأيي يعادل "الثقافة" (وشخصياً أميل لاستعمال مفهوم الثقافة أكثر من الحضارة ، واتقبلها في حدود ضيقة كمقابل للهمجية رغم ان المسألة لا تخلو من نسبية ايضا) الفكرة التي أظن الكاتب يريد التلميح اليها -ولعله أتخذ من الإسترالي كبش فداء يتقي به غائلة بعض الأعتراضات الأقرب للبربرية ![]() لعل أول من أنتبه الى هذا الصراع وتولاه بالتحليل العلمي هو العلامة العراقي علي الوردي الذي أنتبه الى هذه الإزدواجية في الشخصية العربية بوجه عام والعراقية على وجه الخصوص ، فهي وإن كانت في الظاهر والسطح توحي بالتمدن الا انها في بنيتها العميقة بدوية أو ريفية ، إي أنها تحمل في أعماقها قيم ورثتها من بداوتها وعلى رأسها الولاء للقبيلة والتعصب لها (والتي كانت ضرورية للبقاء في حياة البادية) واخذتها معها الى حياة المدينة والتي تستلزم قيماً أخرى فأنتجت ظاهرة فريدة لها تجلياتها التي قد يكون منها ماجاء في تضاعيف المقالة وغيرها مما لم يذكر . فالعصبية ماتزال فاعلة في أعماق البنى الإجتماعية وان تبدل مضمونها، لذلك لو القينا نظرة عجلى على المؤسسات التي حولنا سنجد ان المحسوبية تنخرها حتى مع أولئك الذين تعرضو لموجات حداثية في أعتى المؤسسات الحداثية في الغرب الا ان ممارساتهم لا تسلم من سطوة النسق الاجتماعي. ومها كان الأمر قبيحاً قي الأوساط البيروقراطية الا انها تظل أهون منها في الأوساط الثقافية ، فحسبك ان تلقي نظره سريعة في تويتر على نقاشات بعض النخب .. ستجدها تتعصب لتحزباتها وتياراتها كما يتعصب البدوي لقبيلته التي تجد وصفا دقيقاً في قول الشاعر القديم : لا يسألون أخاهم حين يندبهم ،في النائبات على ما قال برهانا! نعم أوافق الأسترالي في كثير من ملاحظاته .. وأعتقد أن مالدينا هو حداثة المباني والآلات والتقنية وبعض الأنظمة التي يتعامل معها إنسان لم يصل لمستواها بعد.. فالفلسفة التي أنتجتها لم تتغلل في رؤوس من يستهلكونها ، فهم يعتقدون بأن مُجرد تكديس مُنتجات الحداثة من تقنية ومباني وناطحات سحاب كاف لنقلهم من التخلف الى طليعة الدول المُتقدمة، ونسوا ان الحضارة تقوم على الإنسان أولا .. فتنمية الإنسان تسبق إي تنمية أخرى ، ولا يغني عنها تنمية المباني والجسور والطيارات والسيارات .. فهي رهن بالعقول التي انتجتها لا بالاجساد التي استهلكتها ! اطيب التحايا لك . |
التعديل الأخير تم بواسطة Tariq.Q ; 2016- 6- 17 الساعة 04:13 AM |
|
![]() |
![]() |
#6 | |
مُتميز في ملتقى الفنون الأدبية
![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
اقتباس:
تقديري لك أنرت المتصفح |
|
![]() |
![]() |
#7 | |
مُتميز في ملتقى الفنون الأدبية
![]() |
رد: أنتم شعب متمدن وليس متحضراً
اقتباس:
مرحباً بك استاذنا الفاضل وكل عام وانت والجميع بخير وصحة وسلامه قراءة عميقة جداً ومداخلة مذهلة لا تقل عن نظرة الأسترالي لحال مجتمعنا وتطورنا الشكلي حقيقة تواجد امثالك بهذا الفكر والراي في أبناء مجتمعنا يثلج الصدر طابت ايامك واسعدك المولى |
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[ اسئلة مراجعة ] : كويزات فقه السيرة المهمة | أبوشيماء | إدارة أعمال 5 | 6 | 2016- 4- 28 05:42 PM |