مدخل إلى طرق البحث الجغرافي ( المحاضرة الثالثة )

[النوماس]

مدخل إلى طرق البحث الجغرافي

المحاضرة الثالثة

أهمية المنظور الجغرافي في البحث العلمي

الجغرافيا تعرف الناس بالخصائص الطبيعية والبشرية في أي مكان أو منطقة من العالم دون الوصول أليها,وهذا البعد المكاني مهم جدا,ويعني ذلك إن المنظور الجغرافي يساعد في التعرف على خصائص المكانية وما تشهده من تغير بيئي وصراع بشري,حيث تهتم الجغرافيا بدراسة تطور حياة الإنسان وتنظيم سطح الأرض,وكيفية حدوث التفاعلات المادية والبشرية والعملية التي تحدث فيها.
إن مثل تلك المعلومات عندما توضع أمام صانع القرار يستطيع تحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة التدهور البيئي المتسارع في كافة أنحاء العالم,أو أسباب تزايد الفوارق بين الأغنياء والفقراء,ما هي الآيات التي تقود النظام المناخي في العالم,ما هي السباب تزايد الفيضانات في الآونة الأخيرة,كيف يمكن للمجتمع التعامل مع هذه الأحداث,كيف تغير تكنولوجيا النظم الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة هذه المسائل والتي تتجاوز .القدرات والخبرات المتاحة
المنظور الجغرافي يعني أهمية المكان والفضاء في العمليات والظواهر,وقد تثار الكثير من التساؤلات حول ذلك,لماذا توجد ظاهرة ما في مكان دون غيرة؟ لماذا تتوزع النباتات بشكل متباين؟ كيف تؤثر الظواهر الموجودة في نفس المكان على بعضها البعض؟ وكيف تؤثر الظواهر الموجودة في أماكن مختلفة على بعضها؟ كيف تؤثر العمليات الجغرافية التي توجد في نطاق جغرافي واحد على أنواع العمليات الأخرى,ما هي الجهود المبذولة لتحقيق التغير في النواحي السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية آو البيئية.

أن أهمية المنظور الجغرافي تكمن في عدة مجالات ذات علاقة بحياة الإنسان ونشاطاته المختلفة,فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل بجدية على أعادة تشكيل الاقتصاد العالمي,كما تسعا كل دولة لإتباع احدث وأفضل الأساليب في تقديم أفضل المنتجات والخدمات العالمية للمستهلك,ولذلك لم يعد المواطن الأمريكي في أعلى مستوى من المعيشة في العالم,فهناك الكثير من الدول تعمل على مواجهة الظروف الاقتصادية الجديدة بشكل أفضل من الولايات المتحدة,حيث ركزت العديد من الدول على الأبعاد الاقتصادية لمواجهة التغيرات التي يشهدها العالم,منها على سبيل المثال الحد من الإنفاق العسكري والاهتمام بالبيئة,والسؤال الذي يطرح نفسه جغرافيا لماذا السلع والمال والأعلام والقوة توجد في مكان دون غيره؟

ما هي خصائص هذا المكان؟ ما هي الإجراءات المتخذة على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو المحلي من اجل تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق التنمية؟ ما علاقة التغيرات الاقتصادية بالمتغيرات البيئية العالمية؟.
إن الجغرافيون على مستوى من الفهم بالمتغيرات الاقتصادية العالمية من خلال التركيز على المكان والفضاء,وفي هذا السياق إن المكان يعني اثر الموقع , أي العلاقة بين المواقع والتغير الاقتصادي والتنمية,على سبيل المثال استخدام كل من غلا سمير وهولا ند(1995) اثر تكنولوجيا المعلومات المتقدمة على سرعة تنوع ونمو الخدمات في المناطق الريفية الأمريكية,رغم وجود اختلافات فيها بينها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.
إن إعادة اكتشاف الجغرافيا له أهمية كبيرة على المستويين العلمي والاجتماعي,وهذه الأهمية تبلورت من خلال وجهات نظر متجددة لعدد من الجغرافيين الذين يتفاعلون مع العالم المحيط بنا,وهنا يتم التركيز على المقصود بالمنظور الجغرافي سواء كان في مجال البحوث التطبيقية أو التعليم والحياة العملية,حيث تطل الجغرافيا على العالم من خلال العدسات المكانية والفضائية وعلى نطاق واسع يضم عدة مجالات منها البيئة الاجتماعية المتصلة بديناميكية العمل الإنساني بالبيئة الطبيعية ,وديناميكية البيئة تربط بين النظم المادية والبشرية,والديناميكية الاجتماعية وتربط بالنظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وتمثل البعد المكاني قد يكون وصفيا أو كميا, حسب المعطيات المكانية,حيث يركز الجغرافيون على العالم الحقيقي من خلال العلاقات والروابط بين الظواهر والعمليات أتي يمارسها الإنسان في المكان,ويسعى الجغرافيون إلى فهم العلاقات المكانية,وأهمية الخصائص التي تحدد المكان,وكذلك التركيز على أهمية الزمان في تلك العلاقات,كل ذلك ساعد الجغرافيون للاهتمام بالإجراءات والتعقيدات المكانية التي تتم دراستها في التخصصات النظرية الأخرى,فالتكامل في الأماكن الطبيعية يتم اختبارها من خلال دراسة العلاقات المعقدة بين العمليات والظواهر. والجغرافيا العريقة تحاول فهم كيفية تفاعل العمليات والظواهر في أي مكان,وكيفية حدوث تلك التفاعلات والتي تظهر الطابع الجغرافي.

فمنهجية التحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والبيئي وعمليات التفاعل في المكان تقدم فهما متكاملا ومتميزا في طابعة الجغرافي,ويظهر التحليل المنهجي المتبع في كثير من المناطق بشكل غير كامل إلا أذا اخذ بنظر الاعتبار العمليات التي تتجاوز حدود المكان,ولابد من ربط تلك العمليات ببغضها,حيث تستخدم التقنيات الحديثة في البحث الجغرافي للمراقبة والتحليل والعرض,فالتعرف على التوازن المكاني يحتاج إلى جمع بيانات وتبويبها وتحليلها وعرضها,أو ببيانات استراتيجيه تحتاج غالى اخذ عينات وتحليلها مختبرينا وتصميم وتمثيل ببيانات وأساليب لتحليلها ونماذج ونظريات,إذ تستخدم التقنيات الحديثة لهذا الغرض,حيث تطورت أساليب التحليل عما كانت علية سابقا والتي كانت تقتصر على عمليات حسابية بسيطة.

أما في الوقت الحاضر فقد استخدم الجغرافيون العديد من الأجهزة التي تستخدمها العلوم الأخرى,كما استخدمت العلوم الأخرى أدوات ومعدات جغرافية,ومنها نظم المعلومات الجغرافية التي تستخدمها كل العلوم الأخرى وفي كافة المجالات التطبيقية والنظرية والتعليمية.
يظهر مما تقدم إن الجغرافيا توفر بيانات ومعلومات على كافة المستويات تساعد أصحاب القرار في اتخاذ أفضل القرارات,وهذا يعني مساهمة الجغرافيا رسم سياسة الدول واتخاذ القرارات,ويكون ذلك بطرق متنوعة ومنها نشر نتائج الأبحاث في المجلات المتخصصة والمؤلفات المتنوعة,ويكون لتلك الآراء صدى كبير على القرارات المباشرة,كما تؤثر على المجتمع بشكل عام عندما تتضمن مفاهيم ذات علاقة بحياتهم.


ومن الجدير بالذكر إن مثل تلك البحوث يجب إن تكون قبل اتخاذ القرار لتعطي ثمارها,وان لا تكن لتبرير قرارات تم اتخاذها لأسباب معينة.
والمساهمة الجغرافية تعني كيفية تأثير العوامل الجغرافية السياسية في قرارات قادة المجتمع.
ومما تجدر الإشارة إليه إن هنالك قيود متأصلة في العلاقات بين العلم والحكومات من جهة وبين الأكاديميين ورجال الأعمال من جهة أخرى,ورغم كل ذلك أسهمت الجغرافيا بشكل فاعل في التوازنات الإقليمية والمحلية والوطنية والدولية,وقد احتل الكثير من الجغرافيون مواقع استشارية متقدمة في الدولة.
وقد تميزت الجغرافيا عن غيرها بأنها تضم علوم طبيعية وبشرية وهذا ما جعلها تنفرد بتلك الخاصية وعدم تبعيتها لجانب معين,والجغرافيون يسيرون بخطى منتظمة وثابتة تتناسب مع التطور العلمي والتكنولوجي في بناء هياكل نظريات ونماذج وأساليب تكنولوجية تعتمد على المفردات التقنية,وهذا ما أعطى الجغرافيا مادة أساسية في فهم الجغرافيا,حيث يستخدم الجغرافيون الأدوات المتاحة لوضع الحلول المناسبة والهامة للمشاكل التي تواجه الإنسان.

ففي ورقة قدمت في الاجتماع السنوي لرابطة الجغرافيين الأمريكيين والتي اقر فيها خبراء نظم المعلومات ومنهم غيسكينس مايك الذي أوجز بعض المساهمات النوعية والكمية الفريدة في الجغرافيا,والتي احدث تكاملا جغرافيا ربط بين العلم والأبعاد المادية والبشرية,والسعي لفهم علاقات البشرية والبيئية والتي تطورت خلال أربعة عقود من التحليل المكاني باعتماد مجموعة من الأدوات التحليلية والتي تستند وبشكل واضح على معرفة مكونات أو عناصر المكان وبالاعتماد على بيانات ذات مرجعية مكانية ومن خلال استخدام الإدراك المكاني,وقد كان لمصادر المعلومات من خرائط وأفلام وصور استشعار عن بعد الأثر الكبير في العقل الجغرافي لتفسير أنماط توزيع الظواهر والعلاقات المكانية بينها,والتي انعكست أثارها على اختراع تقنية نظم المعلومات الجغرافية.

إن نظرية المكان الجغرافية أصبحت حقيقة والتي تكتمل فيها كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيومورفولوجية والهيدرولوجية والأرصاد الجوية,والتي كانت تعتمد على نظريات العلوم الأخرى ذات العلاقة بالجغرافية خلال ستين سنة الأولى من القرن العشرين.
والجغرافيون اليوم أكثر من أي وقت مضى قادرون على تقديم بحوث عن فهم خصوصية المكان,فقد قدمت دراسات عن أثار السدود على مجاري الأنهار والنشاط البشري أسفل النهر أو بعد السد,والآثار المترتبة على تدمير تلك السدود ولأي سبب كان,ودراسات أخرى عن كيفية تعلم الناس في المدرسة,كل ذلك خلق نوع من التداخل بين العلم والعمل وعلم النفس المعرفي والجغرافيا,وهذا يعني التفكير بمهارات المكان الأساسية اللازمة لتحقيق النجاح والاندماج في الحياة العملية.

لقد وضع الجغرافي سوزان هانس(جامعة كلارك) في الآونة الأخيرة مجموعة من المناهج العلمية حول التغيرات المكانية العالمية والمحلية,وتضمنت أثار التغيرات الحرارية على الزراعة ونظم البيئة المحلية في العالم.
كما أسس الجغرافيون ما يكل ولوك غودشيلد مركزا جديدا لدمج التحليل المكاني في العلوم الاجتماعية,ويعكس هذا التطور اعتراف تلك العلوم بأهمية تحليل البيانات المكانية.
ويتنافس اليوم الجغرافيون والمخططون وغيرهم حول كيفية استخدام نظم المعلومات الجغرافية في كل مجالات الحياة العملية,ويعود كل ذلك إلى الجغرافيا وما يمكن إن تقوم به من دور عالمي ومحلي والذي يساعد صانعو القرار في أعلى المستويات على حل المشاكل المتوقعة مستقبلا.

[وحيدة بزمن قاسي]

بارك الله فيك والله لا يحرمك الاجر
حفظك المولى من كل شر