|
ملتقى الفنون الأدبية شعر,نثر,خواطر,قصص,روايات وجميع الفنون الادبية |
![]() |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
قيمة التصوير الاستعاري
د. محمد حسين الصغير قيمة التصوير الاستعاري الاستعارة فن قولي، قد يجمع بين المتخالفين، ويوفق بين الأضداد، ويكشف عن إيحائية جديدة في التعبير، لا يحس بها السامع في الاستعمال الحقيقي، وهي من أبرز صور البيان العربي، جلى فيها القرآن بكثير من مواطنه، وتناولها الحديث في جملة من شذراته، وتداولها الشعر العربي في أوابده وشوارده. إننا نستطيع أن نلمس في الاستعارة عدة خصائص فنية يمكن إجمالها بالشكل الآتي: أ_ إن الاستعارة تنتقل بالنص من الجمود اللفظي المحدد له إلى السيرورة في التعبير، والمرونة في الاستعمال، ألا ترى إلى قوله تعالى: (واشتَعَلَ الرّأسُ شَيباً). إنك تقف مبهوراً أمام بلاغة التعبير، ودقة المعنى، وسيرورة الألفاظ، فالمستعار منه هو النار، والمستعار له هو الشيب، وقد جمعهما معنى حسي بوجه حسي، وهو التوهج، وإنك لا تجد ذلك في: وازداد الرأس شيباً، ولا في: شاب رأسي، ولا في غيرهما عند التقدير، فكأن اللفظ بصيغته الاستعارية وضعت لهذا المعنى السيار. ب_ يتجلى في الاستعارة إعطاء صفة الفعل لمن لا يفعل، وإضاءة الكائنات بالتصرف وإن لم تتمكن، ألا ترى إلى قوله تعالى: (إذا أُلقوا فيها سَمِعوا لها شهيقاً وهي تَفورُ، تَكَادُ تَميَّزُ من الغيظِ كُلما أُلقي فيها فوجٌ سألَهُم خزنَتُها ألم يأتِكُم نذيرٌ) وما فيه من إضفاء صفة من يعقل إلى ما لا يعقل، ومزية من يعمل إلى من لا يعمل، وفضيلة الفعل إلى من لم يفعل. حيث نجد الاستعارة قد حققت في الألفاظ الثلاثة: الشهيق، تميز، الغيظ، دلالة لا يمكن استيعابها في الألفاظ الاعتيادية لو استبدلت فيها، وفي هذا الاستعمال صوت نار جهنم بصورة هائلة تخيلتها ازددت منها رعباً، وملئت منها فزعاً، وكأنها مخلوق ذو قوة وبطش، ومجهول ذو منظر عبوس. ج _ يتمثل في الاستعارة، تهويل الأمر، ودقة المبالغة، وشدة الوقع، ويمثل هذا الملحظ قوله تعالى: (ذَرني وَمَن خَلَقتُ وَحيداً). فالمراد ذر بأسي، وأترك عذابي وعقوبتي، إلا أن المبالغة في التهديد، والشدة في الوعيد، اقتضت نسبة ذلك إليه _تعالى _ ولو استعمل غير هذا اللفظ لما قام مقامه، ولا أدى دلالته، ولبقيت الصورة المرادة غير ماثلة للعيان كما هو الحال الآن. د_ تريك الاستعارة في تعبيرها إشاعة الحياة في الجماد، وإفاضة الحركة عند الكائنات، وكأنها ناطقة تتكلم، ومكلفة تمتثل، وقادرة تتصرف، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ استوى إلى السّماءِ وهي دُخانٌ فقالَ لها وللأرضِ ائتيا طوعاً أو كَرهاً قالتا أتينا طائعينَ). وفي هذا دلالة على التوسع في اللغة، والمبالغة في الإيجاز، والتفنن في التصوير، فإشاعة الحركة في السماء والأرض تغني عن شرح إطاعتهما وكيفيته بالتقدير أو التسخير، وإضافة هذه المقدرة في الاستماع والاستجابة تكفي عن البيان المستفيض في الإبداع، وتصورها بهيئة من يعي ويسمع وينطق تغني عن التمثيل والتشبيه. ه _ يلاحظ في الاستعارة التقريب الوصفي، ومراعاة المناسبة، ولمح الصلة بين الأصل والنقل الاستعاري، وذلك كقوله تعالى: (وءايةٌ لَّهُمُ الَّيلُ نسلَخُ منهُ النّهارَ...). "وهذا الوصف إنما هو على ما يتلوح للعين لا على حقيقة المعنى، لأن الليل والنهار اسمان يقعان على هذا الجو عند إظلامه لغروب الشمس وإضاءته لطلوعها، وليسا على الحقيقة شيئين يسلخ أحدهما من الآخر، إلا أنهما في رأي العين كأنهما ذلك، والسلخ يكون في الشيء الملتحم بعضه ببعض، فلما كانت هوادي الصبح عند طلوعه كالملتحمة بإعجاز الليل اجرى عليها اسم السلخ، فكان أفصح من قوله لو قال: نخرج، لأن السلخ أدل على الالتحام المتوهم فيهما من الإخراج". وكل ما تقدم من خصائص يوحي بأن الاستعارة هي التي لونت هذه الصور، وكشفت أصالة ما يريد القرآن في التعبير عنه بآياته المشتملة على الاستعارة لغرض خاص يمنحها قوة الأمثال من جهة في السيرورة والانتشار، والدرجة البلاغية في المتانة والجودة من جهة أخرى، بحيث يعود لفظ الاستعارة متميزاً لا يسد مسدّه لفظ آخر، ولا يشاكله تعبير مقارب، وتلك لمحات فنية مؤثرة، وأسرار جمالية متناهية آثرت التصوير الاستعاري بإضافات تحدت المفهوم الحقيقي للكلمات في أصل اللغة، وبذلك بلغت الاستعارة في القرآن الكريم مرتبة الإعجاز، وفاقت المستوى الحضاري للكلمات في ذروة تطورها وعطائها عند العرب. فقد لا يظهر في الاستعارة وجه الشبه، ويكون إلى الخفاء أقرب، وعن الإدراك أبعد، فيعدونه من أحسن أنواع الاستعارة. وقد عبر عن هذه الظاهرة العلوي (ت: 749 ه) في حديثه عن التمثيل قال: "ثم إنه (يعني التمثيل) قد يتفاوت في الحسن لأنه يستعمل على وجهين: أحدهما: أن لا يظهر وجه التشبيه في الاستعارة بل يكون تقدير التشبيه فيها عسراً صعباً، فما هذا حاله بعد من أحسن أنواع الاستعارة، وهذا كقوله تعالى: (فأذاقها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخوفِ...). فما هذا حاله استعارة لا يظهر فيها وجه التشبيه، فلو أردت التكلف في إظهار وجه المشابهة لخرج الكلام عن حد البلاغة، وكلما ازدادت الاستعارة خفاء ازدادت حسناً ورونقاً، وهذا هو مجراها الواسع المطرد. وثانيهما: أن يكون هناك مشبه ومشبه به من غير ذكر أداة التشبيه، فما هذا حاله من الاستعارة دون الأولى في الحسن، والتمثيل في القرآن كقوله تعالى: (صُمٌ بُكمٌ عٌميٌ فهم لا يرجِعُونَ). فالآية إنما جاءت مسوقة على أن حال هؤلاء الكفار قد بلغوا في الجهل المفرط والعمى المستحكم في الإصرار والجحود على ما هم عليه من الكفر والعناد، بمنزلة من هو أصم أبكم أعمى فلا يهتدي إلى الحق، ولا يرعوي عما هو عليه من الباطل". والحق أن ما ذكره العلوي وارد بالنسبة للشق الأول في التقرير لا في المثال، وذلك أن وجه الشبه الاستعاري في الاذاقة واللباس حسي إلى معنوي عقلي وهما الجوع والخوف، إلا أن يريد بوجه التشبيه العلاقة القائمة بين المشبه والمشبه به لا نسبة هذا الشبه، فيكون الأمر كما قرر. وأما ما أورده في الطرف الثاني فمناقش فيه إذ قوله تعالى: (صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يَرجعونَ) من التشبيه البليغ على أسلم الوجوه، لا من الاستعارة كما يتوهم، إذ قد تختلط الاستعارة بالتشبيه البليغ لتوهم اشتمالها على ذكر الطرفين، كما في الآية. وهذا ردٌ على من زعم أن في الآية استعارة، وهذا التقرير وارد لأمرين: الأول: إن الحديث عن المنافقين، وهم يملكون أداة السمع ولكن لا يفقهون قولاً، ويحملون آلة النطق وهي اللسان، ولكن لا ينبسون ببنت شفة، وهم يتمتعون بوجود العين، ولكن لا يبصرون شيئاً، إذ لم يسخروا هذه الجوارح في طرقها المشروعة بوصفها وسائل للهداية، ودلائل إلى الحق، لهذا وصفوا بالصم والخرس والعمى، تشبيهاً بمن لا يمتلك هذه الجوارح، فهو أصم حقيقة، وأبكم واقعاً، وأعمى تشخيصاً، ولما اشتمل البيان هنا على المشبه والمشبه به عاد تشبيهاً بليغاً لا استعارة. الثاني: لو قيل أن في الآية استعارة لوجب أن يكون المستعار له غير مذكور، ولما كان المستعار له مذكوراً وهو (المنافقون) بأعيانهم حملت الآية على التشبيه البليغ، إلا أن يقال أن المستعار له حال المنافقين لا أشخاصهم فتكون حينئذٍ الاستعارة تبعية تصريحية. وليس ما يجري على سنن الاستعارة من طي ذكر المشبه من الاستعارة، بل يرد إلى التشبيه عادة، ففي قوله تعالى: (أَو كصيّبٍ مِنً السّماءِ فيه ظُلُماتٌ ورعدٌ وبرقٌ...). تشبيه أشياء بأشياء مع طي ذكر المشبهات، ففيها صيب وظلمات ورعد وبرق، ويجاب عنه: بأن ذكر المشبهات قد جاء مطوياً على سنن الاستعارة، إذ المراد شيء واحد من التشبيه وهو المنافق في حالاته وضلالالته، فكأن القرآن أراد تمثيلاً مركباً من عدة أوصاف وحقائق، لموصوف واحد، وحقيقة واحدة حتى تعود الأوصاف كلها بتداخلها وتضامنها شيئاً واحداً وهو التشبيه التمثيلي المركب، المنتزع من صور متعددة. نعم هناك نوع من الاستعارة الدقيقة التي وردت في ألفاظ القرآن الكريم، وكيفيتها "أن يسكت عن ذكر المستعار ثم يومي إليه بذكر شيء من توابعه وروادفه تنبيهاً عليه... ومنه قوله تعالى: (الّذينَ يَنقُضونَ عهدَ اللهِ من بَعدِ ميثاقِهِ...) فنبه بالنقض الذي هو من توابع الحبل وروادفه على أنه استعار للعهد الحبل لما فيه من باب الوصلة بين المتعاهدين". وهذا ملحظ دقيق للغاية، يمكن أن يقال عنه بأنه داخل تحت هذا الباب إذ سكت فيه عن ذكر المستعار. ----------------------------------- المصدر : أصول البيان العربي في ضوء القرآن الكريم شكراً لقراءتكم |
![]() |
#2 |
من مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
الف شكر اخوي ابو الطيب
ارجعتنا الى اجواء الادب التي غابت عنا نترقب المزيد اختك ولاية |
![]() |
![]() |
#3 |
من مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
ولاية ،،
شكراً لمرورك الكريم ،، ولكِ تحيات أبي الطيب |
![]() |
![]() |
#4 |
:: مــشرفـة سـابـقـة ::
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
موضوع في غاية الفائده ..
فعلاً وانا دائماً .. اجد صعوبة من دراستي البلاغة في الأول ثانوي .. بالتفريق بين الإستعارة والتشبيه شكراً اخوي على هذا النقل المميز دمت لنا تحياتي |
![]() |
![]() |
#5 |
من مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
|
![]() |
![]() |
#6 |
احد مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكور اخوي على الموضوع المميز والى الملتقى الموالي |
![]() |
![]() |
#7 |
من مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
|
![]() |
![]() |
#8 |
:: مــشرفـة سـابـقـة ::
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
اخي ابوالطيب
اشكرك أولا على مانقلت ويشبه الى حد بعيد التصوير الاستعاري الانجليزي نشكر لك مرة أخرى على مااتحفتنا به مع اجمل تحيه |
![]() |
![]() |
#9 |
من مؤسسي الملتقى
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
ربي زدني علما ،، شكراً على المرور ،، وبالفعل .. اللغة تختلف لكن الأساليب البلاغية تتشابه أحياناً ،، وعلى فكرة .. الاستعارة في لغة العرب لها وقع خاص لم أجده في اللغة الإنجليزية صراحة ،، خالص تحياتي لكِ ،، |
![]() |
![]() |
#10 |
مشرف سابق
![]() |
رد: قيمة التصوير الاستعاري
السلام عليكم ورحمة الله
الف شكر اخي ابو الطيب دمتم موفقين تحياتي حسن |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الاستعاري, التصوير, قيمة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
400 ألف عاطل سعودي ينتظرون «إعانة البطالة» ,, والشورى يحيل الموضوع للجنة مختصة | السالفة مليون | ملتقى المواضيع العامة | 9 | 2010- 9- 8 03:18 PM |
أرجو مساعدتي :( قدمت طلب ولم يتغيير تخصصي .؟؟!!! | Misho | ملتقى طلاب التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل | 3 | 2010- 9- 2 05:06 AM |
باركوووا لي قدمت...!!! ويارب انقبل..!!!! | صبر ايوووب | ملتقى طلاب التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل | 23 | 2010- 8- 16 07:11 AM |
مـصـطـلحات مـن عـالم التـصويـر | فـهـد الجبيل | ملتقى الصور و عالم التصوير | 6 | 2010- 8- 11 01:45 AM |
لكي تدرك قيمة .......... | زهرة الربيع | ملتقى المواضيع العامة | 15 | 2006- 10- 20 04:40 AM |