[ الدراسات الأسلامية ] : بحث لـ د. محمد القطاونة

[همتي لجنتي]

( الحرية الأعلامية في ضوء الأسلام )


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد لله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله.
أما بعد , فإن فلسفة الإعلام في الجانبين النظري والتطبيقي ترتبط بمفهوم الحرية في المجتمع كما ترتبط بها أيضا فاعلية الرسالة الإعلامية في بناء الإنسان الذي يكون عونا للأمة في الدفاع عن قضاياها وحراسة فضائلها ومقدساتها
- الحرية في الإطار اللغوي :
الحرّية : حرّ يحرّ حرارا أي عتق وصار حرا والحر خلاف العبد وهي الخلوص من كل قيد يحد من الوصول إلى الغاية .
ولو عرفنا الحرية عند الصحافة فهي حرّية التعبير عن الرأي في الجرائد والمجلات وتتضمن ايضا حرّية كل فرد وكل جماعة في إصدار صحيفة تعبر عن اتجاههم ما دامت لا تتضمن إخلالا بالنظام أو منافاة الآداب العامة .
و الحرية في الرؤية الإسلامية : هي إرداة الإنسان لتحقيق إنسانيته وهي مرتبطة بتكوينه الفطري فالحرّية مطبوعة في ضمائر الناس الذين حررهم الخالي لعبادته فمن لم يكن عبدا له فهو عبدا لغيره بلا شك فكم من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية التي نراها ترزح تحت نير عبودية الجاه الدنيوي .
أما أساس الحرية الإعلامية ألحقه فهو الدين الحق ويندرج تحت الأساس الديني أسس فرعية منها :
1- الإيمان بالله وحده
2- الكتاب والسنة
3- الفطرة الإسلامية
لذا لا بد لنا من صيانة حرية الإعلام من ضوابط تعصمها عن الانزلاق إلى الفهم الفاسد الذي لا يتفق مع مسلمات الأمة الإسلامية ولا على خصوصيتها ولعل ذلك ما جعل الدكتور جعفر شيخ إدريس يعرف الحرية بقولة :هي عدم القيد لكن الواقع انه ما من أناس يتحدثون عن الحرّية الا ويقيدونها ببعض القيود إذا فالحرية هي إلغاء بعض القيود واختلاف الناس في مفهوم الحرّية إذن هو اختلاف في نوع القيود الملغاة على فعل الإنسان
ومن هذه الضوابط التي تعصم الحرية :
· غاية الإعلام الإسلامي
قد أجمل الإسلام غايات المؤمن في غاية واحدة وبيّن أنها هي مرضاة الله فالإنسان لم يخلق لنفسه وإنما خلق لعبادة الله ولا يسعى لهذه الدنيا الفانية وإنما يسعى للحياة الباقية , ومن هنا فإن الإعلام الحر هو الذي يلبي حاجات الناس المادية والمعنوية والحقيقية على تحقيق غايتهم الأساسية في هذا الحياة قال تعالى : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )
· مشروعية القول
أباحت الشريعة الإسلامية حرّية القول وجعلتها حقا لكل إنسان , فالأصل في القول مشروعا وواجبا عندما يكون لإعلام كلمة الله فالأصل ألا نتكلم إلا بما يرضي الله ولا نتكلم إلا ابتغاء مرضاة الله ونكف عن الكلام عندما يكون في الكف رضا الله تعالى.
وهكذا تؤكد النصوص مشروعية القول ما دام في إطار الحق والخير وبذل الهدى للناس, بل اعتبر الإسلام الصدع بالحق من أفضل انواع الجهاد , وان الجهر بالسوء يبدأ في أول الأمر اتهامات فردية – سبا وقذفا – وينتهي انحلالا اجتماعيا وفوضى أخلاقية تضل فيها تقديرات الناس بعضهم لبعض أفرادا وجماعات وتنعدم الثقة بين الناس لذلك كله كره الله تعالى للجماعة المسلمة ولإعلامها أن تشيع فيه قال السوء باسم حرية القول إلا من ظلم فانه يدافع عن نفسه بكلمة السوء يصف بها الظالم في حدود ما وقع عليه منه .
إذا فالحرية الإعلامية في الرؤية الإسلامية لا تدانيها صور الحرّية في النظام الإعلامي العالم المعاصر وذلك لأنها حرّية الالتزام بالتحرر من قيود الهوى والشهوات ورد الحاكمية لله .

· المسؤولية الإعلامية في الإسلام
ما يميز المسؤولية الإعلامية في الرؤية الإسلامية إنها ليست إلزامية قسرية من خارج الذات الإنسانية وإنما هي تنبع من ضمير الإنسان المؤمن , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان المسؤولية التي تعد ضابطا من ضوابط الحرّية ليست أمام القانون أو الدستور أو الناس وإنما هي أمام الخالق سبحانه وتعالى القائل : (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ).
وعلى كل حال فإن المسؤوليات مهما تنوعت وتعددت روافدها فإنها بالتالي تصب في نهر المسؤولية الدينية وهي الوقوف عند حدود الله والتزام شرعه , ومن هنا يتضح لنا كيف تتداخل ضوابط الحرّية الإعلامية في ضوء الإسلام حتى تعود جميعها إلى مشروعية القول , فكل ضابط إنما هو فرع عنه وانبثاق منه .
· رعاية المصلحة ودرء المفسدة
إن حرّية التفكير والتعبير في الإسلام لا تقود على الأهواء والرغبات لأنها غير منظمة ومتناهية إنما ترتبط برعاية المصلحة ودرء المفسدة
وقد يسارع رجل الأعلام طلبا للسبق الإعلامي أو النجومية أو غير ذلك من المطالب إلى إعلان ما يسمعه على الناس بدون علم وبدون تقدير للمصلحة وقد يكون في ذلك الكلام إشاعة , فيها تعريض ببريء , أو فيها ترويج لمنكر .

ولذا يجب على المسلم القائم بالاتصال سواء أكان شخصية حقيقية أم اعتبارية الالتزام بهذه الضوابط في كافة عناصر الحرّية الإعلامية فان عمله الإعلامي وبلاغه يكون بلا شك بلاغا حرا أما إذا تخلى عن هذه الضوابط وانزلق مع المطامع والشهوات فانه يتحول إلى رجل دعاية تستعبده مطامعه الاقتصادية والسياسية , ويخضع لعبودية المؤسسات الإعلامية التي تحترف العمل الإعلامي لكسب الرزق بغض النظر عن رسالتها في المجتمع .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّ الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.