أنا أكتب!

[عُذَيق]

-

أنا سأكتب! نعم سأكتب!
يبدو وأن الأمر مُريبًا ومرعبًا .. بما أني قررتُ الكتابة!
هذا يعني أني سأكون بمثابة الملابس المهترئة المعلقة على حبل الغسيل .. هذا يعني أني سأكون مُشرعة أمام الخلْق..
عارية من كل شيء إلا من أفكاري .. أنا أقطنُ أفكاري وأفكاري تتجول في رأسي ببراعة!
أنا خارجة عن قوانين الطبيعة .. أنا السكون وأنا الحركة .. أنا البحر وأنا البر .. أنا الأمان وأنا الخوف
أنا كُومة تناقض .. كُومة هراء .. كُومة فلسفة!
أهرب من الواقع إليّ وأهرب مني إلى (الله) .. أدسُّ خيبات الماضي خلف عيني .. وأدوس على الذاكرة بحذاء (شبيح)

أكتبُ بقلم الفراغ .. أي أني خاوية من الداخل .. أنا هواء فحسب .. خواء .. صحراء .. مجردة من الأشياء
كنتُ عدمًا ثم كنتُ مجرد نطفة ثم أصبحت مادة في الطبيعة أصبحت معنى وحس وأخذت جزءً من الأرض خاصًا بي أنا .. أينما ذهبت فأنا ذاك الجزء من الأرض ..

أنا أكتبُ الآن ! نعم أكتب!
وهذا يعني أنّ جزءً مني انكشف .. وأنا التي تغوص في الغموض وترقص على مسارح الديجور
فبتالي لا يعجبني هذا .. لا يعجبني أبدًا بشكل أو بآخر .. ولا أظن أحدًا يحب أن تظهر سوءته! لكن أظن أني مضطرة!

-

تكورتُ وقذفت نفسي خارج الذاكرة في اللا شيء .. وكأني أسمع صوتًا تسرب من ثقب في قاع جسدي يقول: أنا لا أفهمك يا مجنونة!
ومن قال لكَ أني أٌفهم ومن ألزمك بفهمي ومن جعلني اختبارك ومسألتُك وواجبك؟
أنا لغةً لا تترجم أنا بياض ملطخ برماد طاهر! أنا لا أفهمني أصلًا فكيف تتجرأ وتحاول أن تختلس كنهي ومكنوني!

-

أمي ..
أنا ابنتك البكماء التي لا تسطيع أن تقتلع الحزن منكِ بكلمة ..
أنا ابنتك الخرساء التي تعجر أن تقول لكِ ما الخرم الذي في قلبك ما الشرخ الذي في فؤادك حدثيني ليذوب حزنك فيني لأمتص الكَرب من عينيكِ!
أنا ابنتك المشلولة التي لا تستطيع أن تقومَ صباحًا لتغسل بدلًا عنكِ لتكوي أو تطبخ أو تمسح بدلًا عنكِ
أنا ابنتك العمياء التي لا ترى الدمعة ترقص بجنون على خديك وتقرص شفتيك وتخلدك في وجع لا ينتهي
أنا ابنتك الصماء .. كصنم يقبع في زواية الكنيسة .. كأي أحد الجدران الأربعة المحيطة بكِ
أمي .. هل أنا فعلًا بكل هذا السوء .. أم أن السُوء اعتراني .. تلبسني .. تسربلني!
أم أن الوساوس تأخذني ذات اليمين وذات الشمال .. وعقلي الخلفي السلبي يجرني نحو هذا الجنون كالعادة!

-

الكتابة تجعلني أكون الهرطقة في عقل أفلاطون .. وتجعلني أصير الفلسفة في فم أرسطو .. وتجعلني صدفة كتبت على الورقة تُضحك العالم أو تُبكيه!
أنا فعلًا أكتب ..
المزهرية .. الكتب .. الفراش .. الوسادة .. الطاولة .. الكرسي .. البرواز .. الحائط .. النافذة .. والباب
يحدقون بي وينظرون إليّ شزرًا وكأنهم يدركون خطيئتي التي اقترفتها بالكتابة!
لذا قررت أن ابتلع قلمي وأقفل رأسي بمفتاح بِلون الصدأ وأعتق عيني وأصابعي وأطير كالعصفور المتحرر من كل شيء إلا جناحيه الثمينين!

- جفت الأقلام ورفعت الصحف!

وليدة الدقائق .. وهذا النص لأُجربني وأنا أكتب!
ترددتُ كثيرًا في إدراجه هنا .. وربما يكون الأول والأخير وربما (لا)
شكرًا مقدمًا للأعين التي ستقرَؤني
الورقاء سابقًا!