ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام - المستوى السابع المهام الفصلية لمقرر تصميم وتنفيذ البحوث الاجتماعية

تحدثي بالتفصيل عن المصادر الموضوعية لمشكلات البحث الاجتماعي .

• المصادر الموضوعية لمشكلات البحث الاجتماعي
وهي مجموعة المصادر الخارجة عن ذات الباحث وإرادته ، والتي تتمثل في التراث المكتوب والذى يضم الكتابات التاريخية والادبية والفلسفية ثم نتائج البحوث الاجتماعية السابقة في ميادين وفروع علم الاجتماع المختلفة ، ثم أخيراً النظريات الاجتماعية .
1- الكتابات التاريخية والأدبية والفلسفية
ليست المراجع العلمية فقط هي التي توحي للباحث بأفكار جديدة بل إن الكتابات التاريخية والأدبية والأصلية بما تحتويه من وصف حساس ودقيق لميدان خصب لمشكلات البحث الاجتماعي التي تصلح للدراسة . ورغم أن الباحث الاجتماعي لا يهدف بالطبع إلى استعمال كل الأوصاف البشرية التي تزخر بها هذه الاعمال التاريخية والأدبية الشهيرة إى أنه قد يجد في عالم الأدب والتراث التاريخي أفكاراً موحية عديدة تشير إلى متغيرات هامة في مواقف الحياة الاجتماعية ، تثير التساؤل وتستدعي البحث والدراسة
كما تنطوي الكتابات الفلسفية على مجموعة من التساؤلات والمشكلات التي طرحها الفلاسفة والمفكرون والصحفيون ومحبو الفنون وغيرهم والتي على الرغم من أنها تتميز بالشمول وتجاوزها نطاق إدراك العلم الاجتماعي إلا أنها تثير البحث الاجتماعي وتحفزه . ومع أن هذه المشكلات الفكرية قديمة قدم الفكر الإنساني ذاته ، إلا معالجتها في ضوء المناهج العلمية الجديدة يثري وينمي معرفتنا ، ولهذا اعتبرت هذه الكتابات مصدراً خصباً لمشكلات البحث الاجتماعي .
2- نتائج البحوث الاجتماعية السابقة
أذ ينطوي ميدان التخصص في العلم الاجتماعي على عديد من الفروع التي تزايد فيها البحث ، وانتهت إلى ركام ضخم من النتائج والتي يمكن اعتبارها من أكثر المصادر الموضوعية أهمية لمشكلات البحث الاجتماعي . ومن بين فروع علم الاجتماع على سبيل المثال لا الحصر : الأسرة والاقتصاد ، والثقافة والقيم ، والسكان ، والسياسية ، والطبقات ، والجماعات ، والتنظيم ، والمدينة ، والقرية ، والتنمية ، والصناعة ، والنظم ، والتغير والمشكلات ، والانحراف ... إلخ .
ولقد اقتصر بعض الباحثين في محاولته بيان كيف يمكن اعتبار ميادين علم الاجتماع مصدراً خصباً لمشكلات البحث الاجتماعي ، على نتائج البحث في المجالات التالية .
أ - المشكلات الاجتماعية
وهي التي تتمثل في انحراف السلوك الاجتماعي عن القواعد والمعايير التي يحددها المجتمع للسلوك الاجتماعي الصحيح ، والتي يكون للمجتمع رد فعل نحوها يتراوح بين مجرد الاستنكار واللوم ، وقد يصل إلى حد العقاب الرادع .
وتأخذ المشكلات الاجتماعية صوراً متعددة ، فقد تتراوح المشكلات الاجتماعية بين البساطة كخروج بعض الأشخاص في سلوكهم عن المألوف وعدم مراعاة الذوق ، وبين الشدة والتفاقم مثل صور السلوك الانحرافي والجريمة المختلفة ، وعموماً يواجه المرء في حياته الخاصة وأثناء معيشته في الأسرة ، وكذلك في حياته العامة في الدراسة والعمل وغيرها كثيراً من المشكلات الاجتماعية ويتخذ من بينها موضوعاً لبحثه ، بناءً على إدراكه وإحساسه بهذه المشكلة وبأهمية دراستها ، أو بناء على إدراك ومعاناة الناس ومجموعاتهم من هذه المشكلة ، أو بناءً على إدراك السلطة والحكومة بوطأة هذه المشكلات وضرورة البحث عن حل لها حتى يتسنى لها أن تغير من ظروف المجتمع إلى نحو أفضل .
وهكذا ، يعتبر مجال المشكلات الاجتماعية نطاقاً خصباً يستطيع الباحث الواعي والمدرك لظروف مجتمعه أن يختار من هذا المجال واحدة من المشكلات ويتخذ منها موضوعاً لبحثه .وبإمكاننا في هذا الصدد أن نشير إلى نماذج من المشكلات الاجتماعية التي يمكن أن يتخذ منها المرء موضوعاُ لبحثه :
فعلى مستوي الفرد يمكن أن تشير إلى مشكلات الخلل العقلي والانتحار والدعارة والإقبال على تعاطى المخدرات والمسكرات وسوء التكيف الفردي ، وعلى مستوي الجماعة ، يمكن أن نذكر مشكلات التفكك الأسري من توتر وطلاق وعدم توافق زواجي ، ومشكلات جماعات العمل وتفكك العلاقات بين أفرادها ، وعلى مستوي المجتمع ، يمكن أن نذكر مشكلات تفكك المجتمعات المحلية ، حضرية وقروية ، من المناطق المتخلفة والإسكان والمواصلات وغيرها ، والأزمات السكانية والتمييز العنصري وكوارث الحرب والصراع الدولي وهكذا ...
ب - النظم والعمليات الاجتماعية
وقد يختار الباحث مشكلة بحثه من مجال النظم الاجتماعية أو العلميات ، وذلك بهدف التعرف على الكيفية التي تعمل بها هذه النظم أو الميكانيزم الذى يحكم هذه العلمية أو تلك في المجتمع أو داخل إى إطار اجتماعي آخر والواقع أن التمييز بين النظم الاجتماعية والعمليات يقوم على أساس النظر إلى النظام الاجتماعي باعتباره يمثل مجموعة من القواعد والمعايير التي يستعين بها مجموعة من الأفراد ويعتمدون عليها في توجيه جانباً من جوانب حياتهم . أما العملية الاجتماعية فهي تمثل تللك العلاقات التي تتسم بالدينامية والتي تعمل إما على تجميع أو تفرقة أعضاء الجماعة أو غيرها من صور الحياة الاجتماعية .
ومن أمثلة النظم الاجتماعية ، يمكن أن نشير إلى الأسرة والاقتصاد والطبقات والتدرج الاجتماعي وغيرها ، ويمكن أن نشير إلى عمليات التغير الاجتماعي والتكيف والتنافس والتوافق والصراع وغيرها كأمثلة على العمليات الاجتماعية .
ج - المجتمعات المحلية " القروية – الحضرية ":
وقد يختار الباحث مشكلة بحثه من مجال المجتمعات المحلية ، أو يجعل بحثه مركزاً حول دراسة مجتمع محلي معين ككل Community ، ويقصد به مجموعة من الناس يعيشون في بيئة محددة ، وينتمون إلى نسق اجتماعي معين قد يغلب عليه الطابع الحضري ، بحيث ينصرف اهتمام الباحث في هذه الدراسة إلى معرفة الجوانب المختلفة لحياة الناس في هذا المجتمع المحلي ، أو التعرف على العناصر المكونة لبناء الاجتماعي لهذا المجتمع المحلي ، ومكونات ثقافته ، والكيفية التي تترابط بها هذه المكونات وتتساند معاً في تكوين كل متكامل ، أو حتى الكيفية التي لا تترابط بها هذه المكونات والنتائج المترتبة على هذا التفكك وهكذا ....
أو قد يجعل الباحث مشكلة بحثه محصورة دراسة النظم الاجتماعية أو العمليات المختلفة التي توجد أو تظهر في مجتمع محلي معين منها ، كأن يهتم الباحث بدراسة نظام الأسرة في الريف أو الحضر ، من حيث أنماطه ووظائفه ، ومشكلاته ، أو يحدد بحثه في تناول عمليات الصراع بين العمال والإرادة في مصانع مجتمع المدينة ، أو في التعاون بين الفلاحين في مجتمع القرية وهكذا .
ولكن السؤال الذى يثار هنا هو : أي نوع من نتائج البحوث السابقة يمكن أن يصلح أكثر من غيره كمصدر لمشكلات البحث الاجتماعي ؟ وقد يكتفي البعض في اعتماده على نتائج البحوث السابقة واختياره مشكلة بحثه من نطاقها ، بمجرد تجميع أي عدد من النتائج السابقة المرتبطة بموضوع معين ، ويحدد مشكلة بحثه في القيام باختبار صحة هذه النتائج في موقف جديد من حيث الزمان والمكان ، وهو موقف البحث الذى يجريه بمعرفته ، غير أنه كلما كانت نتائج البحوث السابقة التي يتخذها الباحث مصدراً لمشكلة بحثه ، تتميز بأنها نتائج متسقة أو غريبة أو غير متوقعة ، كلما ساعد ذلك من تطوير للنظرية وإضافة أفكار جديدة أو اكتشافات مثمرة .
فلقد أدى اعتماد روبرت ميرتون على النتائج المتسقة حول ظاهرة الانتحار إلى بلورة نظريته حول أثر التكامل الاجتماعي أو تضامن الجماعة على اختلاف معدلات الانتحار ، وأن هذه المعدلات تختلف اختلافاً عكسياً باختلاف درجة التكامل أو التضامن الاجتماعي .
كما أدي اعتماد روبرت ميرتون على النتائج الغريبة في دراسته لمدينة كرافتان إلى إضافة فكرة جديدة توضح أن الإدراك يعتمد على بناء العلاقات الإنسانية في المجتمع .
أدي اعتماد ستوفر على النتائج غير المتوقعة في دراسته للجندي الأمريكي إلى اكتشافات مثمرة تتعلق بنسبية المفاهيم والتصورات واختلافها باختلاف الجماعات .
3- النظريات الاجتماعية
ويكمن المصدر الموضوعي الثالث لمشكلات البحث الاجتماعي في التساؤلات التي قد يثيرها القضايا النظرية المتراكمة من قبل ، ولهذا النوع من التساؤلات والمشكلات أهميته ودلالته بالنسبة لميدان التخصص كنظام فكري ، ذلك لأنه يسهم في تنميته وتطويره ، كما قد يكون له أهميته ودلالته بالنسبة لحل مشكلات الحياة اليومية في الواقع . وينشأ هذا النوع من المشكلات عن الاختلاف بين القضايا النظرية القائمة وبين نتائج النظرية البحوث المرتبطة بها ، أو عن التغييرات التي يمكن إدراكها في البناء النظري ، أو عن تعثر البرهان الإمبيريقي في تدعيم القضايا النظرية المقبولة ، ويتطلب اشتقاق مشكلة البحث بالتركيز على النظرية وعلى الشواهد أو النتائج المتوفرة في تراث البحث الاجتماعي حولها ، ويكشف عن الاتفاق والاختلاف أو عن التغيرات أو عن عجز الشواهد الإمبيريقية عن دعم القضايا النظرية ، ويقوم بعد ذلك بتوسيع وتطوير البناء النظري في ضوء المعطيات الجديدة التي قد يتوصل إليها من خلال ملاحظاته ودراساته الواقعية والإمبيريقية .
ومع هذه الأهمية التي تعلق على مشكلات البحث المستقاة من النظرية ، قد يكتفي الباحث في هذا الصدد ، بأن ينتقي فرضاً واحداً أو نتيجة عامة أو تعميم من نطاق نظرية من نظريات العلم الذى يتخصص في دراسته ، ويحاول أن يجعل منه مشكلة لبحثه ، ويجتهد في التحقيق من صحته أو عدم صحته .
والواقع أن تقسيم مصادر مشكلات البحث الاجتماعي على النحو السابق ، الغرض منه محاولة فهم هذه المصادر وتوضيح جوانبها ، وهو تقسيم لا يقوم في الواقع الفعلي ، ذلك لأن هذه المصادر متداخلة بعضها مع البعض الأخر لدرجة أن المشكلة الواحدة التي قد يختارها الباحث لدراسته ، يمكن أن تقع في أكثر من مصدر في وقت واحد فإذا اختار الباحث وفي ضوء خبرته وميله واهتماماته وحدسه مشكلة التصدع الأسري في الحضر فإنه بذلك يكون قد اختار مشكلة استخلصها من المصادر الموضوعية والذاتية في الوقت نفسه ، لآنها تقع في نطاق المشكلات الاجتماعية ( تصدع الأسرة ) والنظم ( الأسرة ) ، والمجتمعات المحلية ( المدينة ) ، و في نطاق النظرية القائلة بأن الحياة الحضرية والتصنيع يؤثران في تصدع الأسرة .