ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام (https://vb.ckfu.org/index.php)
-   ملتقى المواضيع العامة (https://vb.ckfu.org/forumdisplay.php?f=3)
-   -   من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار" (https://vb.ckfu.org/showthread.php?t=662118)

(فـ@ـد) 2015- 3- 4 09:39 PM

من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 
معضلة القطار

تخيل أنك تقود قطارا والقطار يسير على سكة الحديد. نظرت أمامك وإذا على السكة خمسة عمال يعملون غير منتبهين للقطار المتجه إليهم، وعلمت أنه لا محالة لو أن القطار أكمل على الطريق فإنه سيصطدم بالخمسة وسيموت الجميع، وفي لحظة خاطفة رأيت على الجانب تفرع من سكة الحديد يتجه بعيدا عن الخمسة، ولكن هناك شخص يقف على السكة، ولو أنك توجه القطار لتلك السكة فسيصطدم القطار بالفرد الواحد بدلا من الخمسة، نعم… سيموت ذلك الواحد. السؤال هو: ماذا ستفعل؟ هل ستختار أن تصطدم بالواحد أم بالخمسة؟ من المهم أن تضع في اعتبارك أنه ليست هناك أي اختيارات أخرى سوى اخيتاري الوجهة، لا تفكر في أن تقارن الأشخاص وتقول مثلا أنه قد يكون الشخص الواحد هو أهم من الآخرين لأنه آينشتاين مثلا، أو أنك تقلب القطار أو ما أشبه من احتمالات غير موجودة في المعضلة، إذن لديك إختيارين أما أن تصطدم بالواحد أو بالخمسة، الآن أوقف القراءة للحظة وفكر في الإجابة.

الكثير من الناس يجيب على هذه السؤال ربما بسرعة، ويقول: “أنني أفضل أن أصطدم بالشخص الواحد بدلا من الخمسة،” هناك من الناس من يختار أن لا يقوم بأي شيء ويدع الأمور كما هي، وأن يموت الخمسة، ولكن ربما ستكون أنت ممن يختار أن يقلل من الخسائر، ويرى أن إسعاد 5 أشخاص بدلا من 1 أكثر عدلا، من الممكن أن تفكر أنه ربما تكون لذلك الشخص الواحد عائلة واحدة، بينما خمسة أشخاص فتلك خمسة عائلات بالأزواج والأطفال، فقادك التفكير إلى اختيار العدد كقرار يعينك على القيام بما هو صحيح أو عادل.

لنطور السؤال قليلا، ولنسأل السؤال التالي: تخيل أنك على جسر وكان هناك قطارا يسير أسفل الجسر، وهو يسير على سكة حديد واحدة لا مجال لتغيير مسيرة القطار المتجه في وجهة تصادم مع خمسة أشخاص، وأنت تراقب هذا المشهد وبجانبك شخص بدين ممتلئ ثقيل الوزن، لو أنك رميت بالشخص من على الجسر وعلى سكة الحديد أمام القطار فإن القطار سيتوقف وستنقذ الخمسة، ماذا ستفعل في هذه الحالة؟ أوقف القراءة مرة أخرى وفكر في الإجابة على السؤال وسنعود لمناقشة رأيك.

أغلب الناس هنا ستقول: “لا يمكن أن أرمي بالرجل المسكين على السكة”، قد تحس أنه من الصعب جدا الإلقاء بالشخص الواحد من على سكة الحديد أمام القطار، أليس كذلك؟ ربما البعض الذين لديهم الاستعداد لرمي البدين أمام القطار يعتقد أن فلت من هذه المعضلة، فالبعض قد يعتقد أنه لا يزال رأيه راسخا في إنقاذ خمسة بدلا من الشخص الواحد، سنعود لإجابة أغلب الناس بعد المثال التالي، وسننظر إن كان الذي سيرمي بالشخص الواحد سيبقى على نفس المبدأ أم لا بحسب في المثال التالي.

لكل من أصر على رمي البدين نتساءل السؤال التالي: لو أنك طبيب ولديك غرفتين، في واحدة منهما شخص سليم لا مرض فيه، وفي الغرفة الأخرى خمسة أشخاص، كل واحد منهم لديه مشكلة ستؤدي إلى موته، فواحد منهم مصاب بالقلب والآخر بالرئة والثالث بالكبد وهكذا، واعتبر أن كل واحدة من تلك الإصابات ستؤدي إلى الوفاة، نتساءل إذا كنت أنت الطبيب فهل لديك الاستعداد لتخدير الشخص السليم في الغرفة الأولى لأخذ أعضائه وزرعها في كل من الأشخاص المرضى؟ أعتقد أن اللعبة تغيرت الآن، ما لم تكن شخصا سيكوباث أتوقع أن لا يمكن أن تفكر في نزع الأعضاء من الشخص لتقديمها للشخص الآخر.

يا ترى لماذا تتغير آراء الناس من المثال الأول من رأي يتخذ القرار في التضحية في الواحد مقابل العدد الأكبر إلى عدم التضحية في الواحد في المثالين التاليين؟ في محاضرات سانديل وفي نقاشي مع بعض الأصدقاء يخبرونني أنهم في الحالة الأولى لم تكن لديهم اختيارات، فالقطار سيصطدم في أحد الطرفين، ولكن في المثال الثاني أنا أقدم على جريمة، فأنا اخترت أن أقتل شخصا بريئا، وربما هذا يثر فيك الإحساس بالضيق، وقد تحس أنه من الظلم أن تدفع بالشخص. ولكن لو نفكر قليلا سنجد أن الاختيار متوفر لك في كلا الحالتين، فأنت اخترت أن تغير مسار القطار ليصطدم في الواحد البريء الذي لم يكن القطار ليتجه له لولا اتخاذك لقرارك، وفي الحالة الثانية أيضا أنت اخترت دفع الشخص الواحد من على الجسر، فما الفارق بينهما؟ هل في الاصطدام في الشخص الواحد عدالة، وفي رمي الشخص الواحد ظلم؟ في الحالة الأولى ربما أنت اتخذت القرار مستندا على مبدأ أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس وفي الثاني ربما أنت فكرت كنت تفكر في سلب حرية الشخص من اتخاذ القرار بنفسه، ولكن هذه أيضا لا تقدم حلا للمشكلة، ففي قيامك بتوجيه القطار إلى جهة الشخص لم يتخذ الواحد قرارا في أن يموت. أنت اتخذت القرار نيابة عنه.

قد تتصور أن مثل هذه المثال لا ينطبق على الحياة العملية، وأن مثل هذه المثال ليست فيه معطيات كاملة تجعلك تفكر بشكل سليم، وتأتي برأي محكم، فالمثال يحد من التفكير السليم وأنه على أرض الواقع الاحتمالات مفتوحة وربما تتخيل وجود معطيات تتيح لك الفرصة في اتخاذ قرار أكثر عدلا. لنرى إن كان هذه الكلام صحيحا.

في سنة 2005 حينما كان الجنود الأمريكان في أفغانستان أتاهم خبرا بأن هناك حوالي 150 شخصا مسلحا من الطالبان، وكان من بينهم شخصا مهما مطلوبا، فقرر الجيش أن يرسل 4 جنود لاستطلاع الوضع، فتوجه الأربعة ومعهم الضابط ماركوس لتريل (Marcus Luttrell)، وأثناء صعودهم على الجبال رآهم راعي أغنام مع ابنه الذي كان عمره 14 سنة، فقبضوا عليه ووجهوا البنادق على جسده وأمروه بالجلوس حالما يفكروا فيما يفعلوا به، فهل يتركوه يذهب وشأنه أو أنهم يقتلوه؟ فلو أنهم تركوه لسبيله فقد يبلغ عنهم وقد يقتلون، وإن قتلوه فقد يكون ذلك ظلما لشخص بسيط لا يملك السلاح، والمشكلة أنهم لم يكن لديهم رباط يوثقوا به الأفغاني إلى أن ينتهوا من مهمتهم، و إذن، لم يكن لديهم سوى اختيارين، فإما تركه أو قتله، فتحاور الأربعة، فقرر واحد منهم ألا يشارك في التصويت على مصير الراعي، أما الثلاثة الباقين فقد قرر الأول أن يتخلص من الراعي بقتله، والثاني قرر أن يدعه يذهب في سبيله، وبقي الضابط ماركوس يفكر، وبعد أن راجع في قلبه قيمه المسيحية أحسن أن تلك القيم لن تسمح له بأن يقتل الراعي الغير مسلح وبدم بارد فقرر أن يصوت في صالح ترك الراعي.

لم تمر ساعة ونصف بعد أن أٌخلى سبيل الراعي وإذا بالجنود الأربعة محاطين بأكثر من 100 أفغاني مسلح بالـ AK47 وبالآر بي جي، وبدأوا بقتال شرس أودى بحياة ثلاث جنود وبأسقاط مروحية للجيش الأمريكي وقتل 6 جنود آخرين كان على متن المروحية، ونجى الضابط ماركوس بعد أن جرح وسقط من الجبل، رجع إلى القاعدة بعد أن زحف سبعة أميال، وكتب هذه القصة لاحقا، وتذكر كم كان غبيا في قراره، وأن هذا القرار كان سببا في قتل زملائه الجنود، وندم أشد الندم على ذلك.

نتساءل لو أنك كنت في مكانه هل كنت ستتخذ نفس القرار؟ مع العلم أنك لا تعلم ما سيحدث في المستقبل، المعطيات المستقبلية ليست متوفرة لديك، كما لم تكن متوفرة لدى الضابط ماركوس، فلو علم ماركوس أن الراعي سينادي المقاتلين لما تردد في قتله كما هو واضح من ندمه على القرار، ولكنه لم يعلم مسبقا أن تركه للراعي سيأتي بنتائج وخيمة، فهل كنت ستقتل الراعي مع ابنه في سبيل نجاة الأربعة؟ أم أنك ستفكر بقيم أخلاقية تعتمد على كرامة الشخص تدعوك لعدم قتل شخص بريء؟ ألا تشبه هذه القصة معضلة القطار والبدين؟

منقول
من تطبيق السايوير للمبدع د محمد قاسم

r.m.gh 2015- 3- 4 10:02 PM

رد: من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 
موضوع رائع :3::3:
جد جد رائع الى الامام اخوي

(فـ@ـد) 2015- 3- 4 10:12 PM

رد: من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيروز السعيد (المشاركة 12066064)
موضوع رائع :3::3:
جد جد رائع الى الامام اخوي

حضورك يضفي البهاء والروعة اينما حللتِ
اهلا بك :rose:

English Literature 2015- 3- 5 10:59 AM

رد: من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 
راق لي كثيرا .:(204):
.احسنت ...وجدت فيه تحريك للذهن وقراءة وتنشيط لاتخاذ القرار الحتمي ....احب هذا الصنف :wink:...من المقالات ..

إيثاار 2015- 3- 5 11:49 AM

رد: من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 



"

أحب هذا النمط من المواضيع
يستجلب التفكير ويوجه الرؤية
لا مسّت يديك النار ياشريف
ودي :rose:

(فـ@ـد) 2015- 3- 5 08:05 PM

رد: من العدالة الى تضاريس الاخلاق " معضلة القطار"
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة english literature (المشاركة 12066929)
راق لي كثيرا .:(204):
.احسنت ...وجدت فيه تحريك للذهن وقراءة وتنشيط لاتخاذ القرار الحتمي ....احب هذا الصنف :wink:...من المقالات ..

المقال وصاحب المقال وناقله شرّفهم تواجدك استاذي ابا يزن :106:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيثاار (المشاركة 12066976)



"

أحب هذا النمط من المواضيع
يستجلب التفكير ويوجه الرؤية
لا مسّت يديك النار ياشريف
ودي :rose:

وبمثلك تزهو المتصفحات وتحصل البركات ....اختي ايثار :106:


All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 10:59 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه