ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

- ملتقى المواضيع العامة (https://vb.ckfu.org/forumdisplay.php?f=3)

- - .....السيطرة العصرية ..... (https://vb.ckfu.org/showthread.php?t=501954)

.....السيطرة العصرية .....

عالمنا اليوم لا يمكن مواجهته وصده بل يمكن التفاهم معه.. كل ذلك ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا.. هناك من يرفض اليوم ليبقى مع الأمس، وهذا مستحيل لأن الاندفاع الشديد لعالم اليوم سيكتسح كل من يواجهه .

في محاضرة مثيرة للدكتور ماكس مانوارنق، الأستاذ والباحث في كلية "Army War College" بالولايات المتحدة، ورئيس كرسي دوقلاس مكارثر للبحث في الكلية نفسها والجنرال المتقاعد.. وقراءتي لمحاضرته أن العصر الحاضر قد تغير فيه كل شيء وهو يفرض إرادته حتى في الحروب التي لم تعد تقليدية كما نعرفها..

لم تعد الحرب في زمننا اليوم تعدياً على حدود.. ولم تعد الحرب بين جيشين يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر.. ولم تعد الغلبة في الحرب للجيش الذي يملك قوة عسكرية أكبر أو أحدث.. لقد تغير مفهوم الحرب في عصرنا الحاضر وأصبحنا في حرب الجيل الرابع غير المتماثلة، والذي تكون فيه: "الحرب هي الإكراه" "compultion". الإكراه على قبول إرادة العدو وقبول رغبة العدو.. لكن ما أهداف هذا النوع من الحروب؟

الهدف منها ليس هزيمة الجيش المقابل لأنه لا يوجد جيش أصلاً، وليس الهدف منها التعدي على حدوده لكن الهدف هو الإنهاك ببطء وثبات.. حتى تُسلب إرادة الدولة المستهدفة.. وفي النهاية تفرض إرادتك على العدو.. كانت الحروب في الماضي تعديا على الحدود وأصبح هذا النوع من الحروب في عداد "المنقرض" "obsolete"، أما الآن فإن نوع الحرب المستخدمة حرب لا أحد يعترف بها لكنها تمارس وتستخدم..

الحرب لم تعد إرسال عسكريين وآليات عسكرية وليس بالضرورة أن يكون كل المشاركين رجالا وبالغين، بل هناك أطفال.. وفيها لا تستخدم العبارات المستفزة بل تستخدم الدبلوماسية.. لكن كيف تكون تلك الحرب على الواقع؟ الحرب تكون بخلق مناطق قلاقل داخل الدولة وخلق مساحات لا تسيطر عليها الدولة، وذلك بهدف خلق دولة فاشلة "failing state"، والدولة الفاشلة هي التي لا تسيطر فيها الحكومة على كل مساحاتها، وتكون هناك مساحات وقطاعات يحكمها خارجون عن الحكومة، وهؤلاء هم شريحة محاربة وعنيفة، وهنا وبهذه الطريقة يتم خلق حالة من عدم الاستقرار .. عندما لا تكون الدولة مسيطرة وعندما تصل لدرجة الفشل، فإنه يمكن إكراه تلك الدولة على فعل ما يرغبه أعداؤها منها.. لأن الحرب تعني "الإكراه" سواء أكانت حرباً مدمرة أم غير قاتلة.. والحرب العصرية بهذه الطريقة تحقق بالضبط ما تحققه الحروب التقليدية، التي تستخدم فيها الجيوش والمعدات والآليات العسكرية.. وهو "الإكراه"..

ويقول مانوارنق: إنه لهذا ستكون هناك كلمتان ستدخلان إلى قاموسنا العصري وهي "الحرب تعني الإكراه"، والحرب عن طريق الإكراه بخلق مساحات فيها قلاقل ولا تسيطر عليها الحكومة تنفذ بشروط ذكية جداً.. أولاً: تنفذ ببطء شديد.ثانياً: بهدوء شديد..

عالمنا اليوم أصبح أكثر ذكاء في كل مكوناته من الإنسان إلى الأعمال إلى الدول وحتى طرق السيطرة لم تعد تستخدم المواجهة والتعدي على الحدود بقوة الجيوش والسلاح والعتاد بل بالقوة الناعمة الأشد فتكاً وتدميراً والتي تمت تسميتها بـ"الإكراه".
وخلاصة القول؛ إن عالمنا اليوم يسير بنا بطرق وأساليب أشد ذكاء وما لم تكن أي أمة وأي دولة في مستوى ذكاء عالمنا اليوم فستكون خسارتها كبيرة..
أمس يقول علماء التقنية إن التقنية ستدمر العالم ما لم يكن العالم في مستوى ذكائها ويتجنب سلبياتها..واليوم خبراء السيطرة يقولون إن السيطرة تأخذ مناحي جديدة أكثر هدوءاً وأبطأ خطواً وأشد تدميراً.. ولهذا فالتنبه لما يسمى "اللحظة الحرجة" "tipping point"، التي تبدأ فيها بوادر السيطرة من كائن من كان والتعامل معها بطرق وأساليب ذكية في مستوى ذكائها بهدوء وبدون مواجهات تحبط كل أنواع السيطرة.. عالمنا اليوم لم يعد عالمنا بالأمس والتعامل مع عالم اليوم الذكي المندفع بقوة المتطور والمتقدم بأساليب تقليدية بالية سيكون بدون جدوى.. عالمنا اليوم مندفع بشكل لا يمكن الوقوف أمامه وصده بل يمكن التصالح معه بطرق وأساليب في مستواه.. عالمنا اليوم لا يمكن مواجهته وصده بل يمكن التفاهم معه..
كل ذلك ليس سهلاً لكنه في نفس الوقت ليس مستحيلاً.. هناك من يرفض عالم اليوم ليبقى مع عالم الأمس وهذا مستحيل لأن الاندفاع الشديد لعالم اليوم سيكتسح كل من يواجهه.. هذه حقيقة يجب أن ندركها ونتعامل معها.. والإصرار على مواجهة عالم اليوم ضرب من الجهل وتدمير لكل من يواجه.. والمطلوب أن نحقق فهماً حقيقياً لعالم اليوم قبل أي خطوة للتعامل معه.. قبل ذلك الفهم ستكون كل محاولات التعامل معه ضياعا للوقت وهزيمة مؤكدة أمامه.. والتعامل مع أساليب السيطرة اليوم مثال على ذلك.. فلا يمكن مواجهة النتائج والتعامل معها دون معرفة الأساس، الذي خرجت منه تلك النتائج بذكاء يساوي ذكاءه والتعامل معها بهدوء يساوي هدوءها.. هنا يمكن تحقيق النجاح في التعامل معها وصدها ودفع أذاها وإحباطها.

بقلم
على للخبتي