محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
العنوان واضح محاضرات مناهج المفسرين للفرقة الثالثة (( المستوى السادس )) صراحة شفت البنات محتاسين بالويب ستي وقلت أساعد حبيباتي : محاضرات مناهج المفسرين للدكتورة منيرة الدوسري : ((((((((( المحاضرة الأولى ))) مقدمات تمهيدية لمناهج المفسرين تعريف مصطلح (مناهج المفسرين) ؟ (مناهج المفسرين) مركب إضافي مكون من كلمتين : مناهج ، ومفسرين • (مناهج) : جمع (منهج) وهي في اللغة مشتقة من الكلمة الثلاثية (نَهْج) والنَهْج : الطريق الواضح . يقال : نهجت لي الطريق أي أوضحته . قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) • فالمنهج والمنهاج هو الطريق الواضح البيّن المستقيم . • و(المفسرين) : جمع مفسر ـ بكسر السين المشددةـ وهو الذي يتصدى لتفسير القرآن الكريم ، وبيان معانيه بعد تمكنه من آليات التفسير وأدواته التي يجب توافرها في المفسر . • فمعنى (مناهج المفسرين) هو : الخُطط العلمية الموضوعية المحددة التي التزم بها المفسرون في تفاسيرهم للقرآن الكريم ، هذه الخطط الموضوعية لها قواعد وأسس منهجية مرسومة ، ولها طرق وأساليب وتطبيقات ظهرت في تفاسيرهم . الفرق بين المنهج والطريقة: • لابد أن نفرق بين المنهج والطريقة عند المفسرين والمحدثين والفقهاء وعلماء العقيدة والنحو ، وغيرهم . • المنهج : هو الخطة المرسومة المحددة الدقيقة ، التي تتمثل في القواعد والأسس والمنطلقات ، التي تعرّف عليها المفسر ، والتي انطلق منها في فهمه للقرآن الكريم والتي التزم بها في تفسيره له ، هذه القواعد والأسس كانت ضوابط له ولتفسيره ، فلم يخالفها ولم يخرج عنها • أما الطريقة : فهي الأسلوب الذي سلكه المفسر أثناء تفسيره لكتاب لله ، والطريقة التي عرض تفسير كتاب الله من خلالها . • وبعبارة أخرى : الطريقة هي تطبيق المفسر للقواعد والأسس المنهجية التي كانت منهجه في فهم القرآن . • مثال على ذلك : • من قواعد منهج الإمام الطبري في تفسيره : ذكر الأقوال المأثورة للصحابة والتابعين في التفسير ، التي وصلت إليه ووقف عليها بأسانيدها المختلفة والمكررة . • هذا كلام ضمن الحديث عن (منهج الإمام الطبري في التفسير) ويعرض ضمن التعريف على قواعد منهجه فيه • أما (طريقة الطبري في التفسير) فتعني بتطبيق الطبري للقاعدة السابقة ، وذكر أمثلة ونماذج لها من تفسيره ، إذ يبين الباحث كيف طبق الطبري هذه القاعدة المنهجية على أسلوبه في عرض الروايات المختلفة المسندة . • حتى يتعرف الدارس على قواعد منهج المفسر في تفسيره لابد أن يقوم بما يلي : • 1 ـ الدراسة الفاحصة لمقدمة المفسر في تفسيره ، واستخراج القواعد المنهجية التي أشار إليها المفسر ، وفهم تلك القواعد والأسس . • 2ـ الدراسة الفاحصة للتفسير ، للوقوف على توضيح القواعد التي أشار لها المفسر في مقدمته ، والوقوف على قواعد أخرى ذكرها المفسر أثناء التفسير . أهمية معرفة مناهج المفسرين: معرفة مناهج المفسرين ضرورية للدارسين المتخصصين في الدراسات الإسلامية ، وضرورية للراغبين في العلم ، والحريصين على الثقافة الإسلامية . فإن مدارس التفسير عديدة ، وتياراته واتجاهاته منوعة ، منذ عهد الصحابة الكرام ، وحتى العصر الحاضر ، حيث ظهر مئات المفسرين ، وكتبت مئات التفاسير ، واختلفت مناهج المفسرين في فهم القرآن وتفسيره . • فلابد من معرفة اتجاهاتها ومدارسها ، والوقوف على مناهج أصحابها ، وحسن ترتيبها وتصنيفها . • ومن الواجب على الدارس في (التفسير والمفسرين) معرفة المفسرين وتفاسيرهم ومناهجهم وطرائقهم معرفة مجملة : المفسر ونسبه ، وعصره وعلمه ، والتزامه ومنهجيته ، ونتاجه وجهوده ، وهدفه من التفسير ، ومنهجه فيه ، وتقويم ذلك التفسير ، ومعرفة ما فيه من خير وفائدة ، ومعرفة ما عليه من مآخذ . • فمناهج المفسرين تقدم للدارس القواعد والآداب والضوابط والتوجيهات التي لا بد منها في عالم التفسير ، كما تقدم له الأسس والأصول المنهجية الموضوعية التي لا بد منها في عالم التفسير ، وهي تحدث الدارس عن نشأة علم التفسير ، ومدارس واتجاهاته في التاريخ الإسلامي ، وتعرفه على أشهر التفاسير وأئمة المفسرين ، وتحدد له مناهجهم وطرائقهم في التفسير . التفسير والتأويل معناهما والفرق بينهما : التفسير في اللغة : مصدر على وزن (تفعيل) ، والتفسير : الإيضاح والتبيين . ومنه قوله تعالى : (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً) أي بياناً وتفصيلا . وهو مأخوذ من الفسر وهو الإبانة والكشف . فسر الشيء إذا وضحه وبيّنه . والتفسير في الاصطلاح : هو علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكمه الفرق بين التفسير والتأويل : التأويل : لغة مأخوذ من أول الشيء أي رجعه ، وأوَّل الكلام وتأوَّله : قدّره وفسره . والتأويل في اصطلاح المفسرين فيه خلاف . • وهو كما يوضحه ابن تيمية ينبغي في تحديد دلالته الاصطلاحية بالتفريق بين جيلين : 1 ـ السلف الصالح . • 2 ـ متأخري المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم . • فعند الأوائل نجد له معنيين : • 1 ـ تفسير الكلام وبيان معناه، سواء أكان موافقا لظاهره أم مخالفا له، ومن ثم يكون التأويل والتفسير شيئا واحدا، أي مترادفين . وهذا هو المعنى نفسه الذي استعمله محمد بن جرير الطبري حيث يقول عند تفسيره لآي الذكر الحكيم : القول في تأويل قوله كذا وكذا . واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك . وكله محمول -كما أسلفنا - على التفسير والبيان . • 2 ـ هو نفس المراد بالكلام، فإذا كان الكلام عن طلوع الشمس فالتاويل هو نفس طلوعها، أي هو نفس الحقيقة الموجودة في الواقع الخارجي، وهذا في نظر ابن تيمية -رحمه الله- هو لغة القرآن التي نزل بها. • أما عند متأخري المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة : فالتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به. وهذا التأويل هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم : هذا الحديث أو هذا النص مؤول أو هو محمول على كذا . قال الآخر : هذا نوع تأويل ، والتأويل يحتاج إلى دليل . • وهذا المعنى للتأويل معنى مبتدع، وهو يشكل خطورة كبيرة على عقيدة الأمة الإسلامية، وعلى كيانها وسيادتها، إذ أخذ مطية من طرف الروافض، وملاحدة الفلاسفة وغلاة الصوفية، ومن ثم وجدنا ابن تيمية يرفضه فيقول: " والتأويل المردرد هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره. نشأة التفسير وتطوره جرت سنة الله تعالى في إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يبعث لكل أمة نبياً بلسان قومه ، وأن يكون كتابه بلسانهم ، قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) وأنزل الله القرآن الكريم بلسان عربي مبين على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب ، قال تعالى (إنا أنزلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون) . • وكان القوم عرباً خلصاً يفهمون القرآن الكريم بمقتضى السليقة العربية واللسان العربي ، غير أن القرآن يعلو على سائر كلام العرب بألفاظه وأساليبه اللغوية والبلاغية فضلاً عن معانيه ، ولذا فقد كانوا يتفاوتون في فهمه وإدراكه وإن كان كل منهم يدرك ما يوقفه على إعجازه ، فكان بعضهم يفسر ما غمض على الآخر من معنى ، فإن أشكل عليهم لفظ أو غمض عليهم مرمى ، ولم يجدوا منْ يفسره لهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيوضح لهم ما غمض عليهم فهمه وإدراكه ، لأنه عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بمعاني كتاب الله وإدراك أسراره ومعرفة مقاصده. بل هو الذي وجه إليه الله كلامه حيث قال: { لتبين للناس ما نزل إليهم } • عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لما نزلت { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لا يظلم نفسه! فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } . • ولم يكن تفسير القرآن الكريم يدوّن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كعلم مستقل بذاته، وإنما كان يروى منه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتعرض لتفسيره كما كان يروى عنه عليه الصلاة والسلام الحديث. • وقام علماء الصحابة والتابعين يبينون للناس معاني القرآن ، ويفسرونه لهم . • واستمر الصحابة يتناقلون معاني القرآن وتفسير بعض آياته على تفاوت فيما بينهم ، لتفاوت قدرتهم على الفهم ، وتفاوت ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . • وقد اشتهر كثير من الصحابة بتفسير القرآن منهم الخلفاء الأربعة ، وابن عباس وابن الزبير ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن مسعود ، وأبوموسى الأشعري ، وعائشة رضي الله عنهم . • وحين اتسعت الفتوحات الإسلامية انتشر الصحابة رضي الله عنهم في البلدان المفتوحة يعلمون أهلها القرآن ويفسرون لهم معانية، وينشرون لهم علومه ومعارفه ومضى عصر الصحابة رضوان الله عليهم على ما تقدم، ثم جاء عهد التابعين الذين أخذوا علم الكتاب والسنة عنهم وكل طبقة من هؤلاء التابعين تلقت العلم على يد من كان عندها من الصحابة رضوان الله عليهم، فجمعوا منهم ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديث، وما تلقوه عنهم من تفسير للآيات وما يتعلق بها فكان علماء كل بلد يقومون بجمع ما عُرف لأئمة بلدهم . • فنشأت ما يصح أن نطلق عليها بالمعنى الحديث (مدارس التفسير) وهي كثيرة وأشهرها ثلاث مدارس : • مدرسة ابن عباس بمكة • مدرسة أبُيّ بن كعب بالمدينة • مدرسة عبدالله بن مسعود بالعراق • ما يميز تلك الفترة : • أن تفسير هؤلاء وغيرهم من الصحابة والتابعين لم يكن مقتصراً على علم التفسير بمعناه الخاص بل كان يشمل مع هذا علم غريب القرآن وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم المكي والمدني ونحو ذلك . • كما لم يكن شاملاً للقرآن الكريم ولا مدوناً وإنما كان بالرواية والتلقين . • ثم جاء عصر التدوين في القرن الثاني الهجري، وبدأ بتدوين الحديث بأبوابه المتنوعة ،وشمل ذلك ما يتعلق بالتفسير ، وجمع بعض العلماء ما روي من تفسير القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن الصحابة أو عن التابعين • اشتهر منهم : يزيد بن هارون السلمي ، شعبة بن الحجاج ، وكيع بن الجراح ، سفيان بن عيينة ، وعبدالرزاق بن همام . • هؤلاء كانوا من أئمة الحديث ، فكان جمعهم للتفسير جمعاً لباب من أبوابه . • ثم وضع بعض العلماء تفسيراً متكاملاً للقرآن وفق ترتيب آياته ، أشهرهم : • ابن جرير الطبري المتوفى سنة (310هـ) • ومع علم التفسير كان التأليف الموضوعي لموضوعات تتصل بالقرآن • فألف في أسباب النزول والناسخ والمنسوخ ، والقراءات ، وغريب القرآن ، وغيرها • واستمرت حركة التفسير في مسيرتها التاريخية على مدار القرون والأجيال ، وامتلأت مكتبة التفسير بالتفاسير المختلفة ، على اختلاف مدارسها واتجاهاتها إلى عصرنا الحاضر . |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
(( المحاضرة الثانية ))))
التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله عز وجل القرآن بلسان عربي مبين على نبيه الأمي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليبلغه ويبينه للناس كافة ومنهم العرب الذين غلبت عليهم الأمية فنعتوا بها . وقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظ القرآن فقال : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . كما تكفل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع القرآن في صدره فقال : (لا تحرك به لسانك لتعجل به ، إن علينا جمعه وقرآنه) . ثم كلف الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم القرآن وأن يفسره لهم ، قال تعالى مخاطباً نبيه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) ، ولذا فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم فهمه من القرآن ، فيجدون الجواب الشافي . مقدار ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن اختلف العلماء في مقدار ما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن إلى قولين : الأول : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن ، كما بيّن لهم ألفاظه . وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية . واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) قالوا : والبيان في الآية يتناول بيان القرآن ، كما يتناول بيان ألفاظه ، وقد بين الرسول ألفاظه كلها . فلابد أن يكون قد بين كل معانيه أيضاً . الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبيّن لأصحابه إلا القليل من معاني الآيات ، واستدل أصحاب هذا الرأي بما روته عائشة رضي الله عنها ، قالت : (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد ، علمه إياهن جبريل ) وغير ذلك من الأدلة . والراجح أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن الكثير من معاني القرآن لأصحابه ، كما تشهد بذلك كتب الصحاح ، ولم يبين كل معاني القرآن . فلم يفسر لهم ما أستأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة وحقيقة الروح . ولم يفسر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب ،ولم يفسر لهم ما تتبادر الأفهام إلى معرفته ، وهو الذي لا يعذر أحد بجهله . ومما يؤيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل معاني القرآن ، أن الصحابة وقع بينهم الاختلاف في تأويل بعض الآيات ، ولو كان عندهم فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وقع هذا الاختلاف ، أو لارتفع بعد الوقوف على النص . منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يُطنب في تفسير الآية أو يخرج إلى ما لا فائدة في معرفته ولا ثمرة في إدراكه ، فكان جُل تفسيره صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل ، أو توضيحاً لمشكل ، أو تخصيصاً لعام ، أو تقييداً لمطلق أو بياناً لمعنى لفظ أو متعلقه . التفسير في عهد الصحابة رضي الله عنهم : تفاوت الصحابة في فهم القرآن لم يكن الصحابة رضي الله عنهم في درجة واحدة بالنسبة لفهم معاني القرآن ، بل تفاوتت مراتبهم ، وأشكل على بعضهم ما ظهر لبعض آخر منهم . وهذا يرجع إلى تفاوتهم في القوة العقلية ، وإلى التفاوت في قوة الفهم والإدراك . والتفاوت فيما أحاط بالآية من ظروف وملابسات ، بل كانوا يتفاوتون في معرفة المعاني التي وضعت لها المفردات . فمن مفردات القرآن ما خفي معناه على بعض الصحابة ، وظهر لآخرين منهم . • عمر بن الخطاب (الكتاب) • عبد الله بن عباس (الكتاب) • فيرجع تفاوت الصحابة في فهم القرآن ـ كما أشرنا ـ إلى أمور عديدة منها : • 1ـ تفاوتهم في أدوات الفهم كالعلم باللغة ، فمنهم من كان واسع الاطلاع فيها مُلمّاً بغريبها ، ومنهم دون ذلك . • 2ـ تفاوتهم في ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحضور مجالسه . • 3ـ تفاوتهم في معرفة أسباب النزول وغيرها مما له تأثير في فهم الآية . • 4ـ تفاوتهم في العلم الشرعي . • 5ـ تفاوتهم في مداركهم العقلية شأنهم شأن غيرهم من البشر . • مصادر التفسير في هذا العصر • كان الصحابة في هذا العصر يعتمدون في تفسيرهم للقرآن الكريم على أربعة مصادر : • الأول : القرآن الكريم . • الثاني : النبي صلى الله عليه وسلم . • الثالث : الاجتهاد وقوة الاستنباط . • الرابع : أهل الكتاب من اليهود والنصارى . • الأول : القرآن الكريم • فإن من آيات القرآن ما جاء مجملاً في موضع ، وجاء في موضع آخر مبيناً ، ومنه ما فيه إيجاز ، وما فيه إطناب ، ومنه ما فيه عموم وما فيه خصوص ، وما فيه اطلاق ، وما فيه تقييد ، ومثل هذا يُفسر بعضه ببعض . • لهذا كان لابد لمن يتعرض لتفسير كتاب الله أن ينظر في القرآن أولاً ، فيجمع ما تكرر منه في موضوع واحد ، ويقابل الآيات بعضها ببعض . • ليستعين بما جاء مسهباً على معرفة ما جاء موجزاً ، وبما جاء مبيناً على فهم ما جاء مجملاً ، وليحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص ، وبهذا يكون قد فسر القرآن بالقرآن . • وعلى هذا فمن تفسير القرآن بالقرآن : أن يشرح ما جاء موجزاً في القرآن بما جاء في موضع آخر مسهباً ، كقصص القرآن مثلاً جاءت في بعض المواضع موجزة وجاءت القصة نفسها في موضع آخر مفصلة كقصة آدم وإبليس ، وقصة موسى عليه السلام مع فرعون . • ومن تفسير القرآن بالقرآن : أن يحمل المحمل على المبين ليفسر به ، وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن . • انظر المثال الكتاب . • ومن تفسير القرآن بالقرآن حمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص : انظر المثال الكتاب . • ومن تفسير القرآن بالقرآن : الجمع بين ما يتوهم انه مختلف : • انظر المثال في الكتاب . • ومن تفسير القرآن بالقرآن حمل بعض القراءات على غيرها ، فبعض القراءات تختلف مع غيرها في اللفظ وتتفق في المعنى . • انظر المثال في الكتاب . • الثاني : النبي صلى الله عليه وسلم . • المصدر الثاني الذي كان يرجع إليه الصحابة في تفسيرهم لكتاب الله تعالى هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان الواحد منهم إذا أشكلت عليه آية من كتاب الله ، رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها ، فيبين له ما خفي عليه ؛ لأن وظيفته البيان ، كما أخبر الله عنه بذلك في كتابه حيث قال : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) • والذي يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير باباً من الأبواب التي اشتملت عليها ، ذكرت فيه كثيراً من التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . • أمثلة : انظر الكتاب . • الثالث : الاجتهاد والاستنباط : • كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى ، ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا في ذلك إلى اجتهادهم وإعمال رأيهم ، وهذا بالنسبة لما يحتاج إلى نظر واجتهاد . • أما ما يمكن فهمه بمجرد معرفة اللغة العربية فكانوا لا يحتاجون في فهمه إلى إعمال النظر ، لأنهم عرب خُلّص ، شاهدوا التنزيل وحضروا مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم ، والقرآن نزل بلسان عربي مبين . • أدوات الاجتهاد في التفسير عند الصحابة : • توافرت عند الصحابة أدوات الاجتهاد وهي : • أولاً : معرفة أوضاع اللغة العربية وأسرارها ، وهذا يعينهم على فهم الآيات التي يتوقف فهمها على فهم اللغة العربية . • ثانياً : معرفة عادات العرب ، وهي تعين على فهم كثير من الآيات التي لها صلة بعاداتهم ، قوله تعالى : (إنما النسيء زيادة في الكفر ) وقوله (وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها)، ومثل هذا يفهم المراد منه من كان يعرف عادات العرب في الجاهلية . • ثالثاً : معرفة احوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن ، وهذا يعينهم على فهم الآيات التي فيها الإشارة إلى أعمالهم والرد عليهم . • رابعاً : معرفة أسباب النزول ، وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات ، تعين على فهم كثير من الآيات القرآنية . لهذا قال ابن تيمية : ” معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ” • خامساً : قوة الفهم وسعة الإدراك ، فقد أتاهم الله عقلاً وفهماً جلوا به كثيراً من الأمور ، وهذا أمر معلوم من سيرتهم رضي الله عنهم . • وهم يتفاوتون في معرفة معاني القرآن حسب تفاوت مداركهم وتحصيلهم وحسب تفاوت قدرتهم العقلية الرابع : أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذلك أن القرآن يتفق مع التوراة في بعض المسائل، وبالأخص في قصص الأنبياء ، وما يتعلق بالأمم الغابرة . وكذلك يشتمل القرآن على مواضع وردت في الإنجيل كقصة ميلاد عيسى ابن مريم ، ومعجزاته عليه السلام . غير أن القرآن الكريم اتخذ منهجاً يخالف منهج التوراة الإنجيل ، فلم يتعرض لتفاصيل جزئيات المسائل ، ولم يستوف القصة من جميع نواحيها ، بل اقتصر من ذلك على موضع العبرة فقط . ولما كانت العقول دائماً تميل إلى الاستيفاء والاستقصاء ، جعل بعض الصحابة يرجعون في استيفاء هذه القصص التي لم يتعرض لها القرآن من جميع نواحيها إلى من دخل في دينهم من أهل الكتاب ، كعبدالله بن سلام ، وكعب الأحبار ، وغيرهم من علماء اليهود والنصارى . غير أن رجوع بعض الصحابة إلى أهل الكتاب، لم يكن له من الأهمية في التفسير ما للمصادر الثلاثة السابقة ، وإنما كان مصدراً ضيقاً محدوداً ، وذلك أن التوراة والإنجيل وقع فيهما كثير من التحريف والتبديل . فكان الصحابة لا يأخذون عن أهل الكتاب إلا ما يتفق وعقيدتهم ولا يتعارض مع القرآن . أما ما اتضح كذبه مما يعارض القرآن ويتنافى مع العقيدة فكانوا يرفضونه ولا يصدقونه ، ووراء هذا وذاك ما هو مسكوت عنه ، لا هو من قبيل الأول ، ولا هو من قبيل الثاني ، وهذا النوع كانوا يسمعونه من أهل الكتاب ويتوقفون فيه ، فلا يحكمون عليه بصدق ولا بكذب ، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :“ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل علينا ... الآية ” المفسرون من الصحابة اشتهر عدد من الصحابة بالتفسير هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير بن العوام ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين . وهؤلاء هم الذين اشتهروا بالتفسير ، وهناك عدد آخر من الصحابة نُقل عنهم في التفسير نقلاً قليلاً لم يصل بهم إلى درجة الشهرة . أما أكثر الصحابة رضي الله عنهم رواية في التفسير فأربعة هم : 1ـ علي بن أبي طالب . 2ـ عبدالله بن مسعود . 3ـ عبدالله بن عباس . 4ـ أبي بن كعب . أما علي رضي الله عنه فيرجع السبب في ذلك إلى سعة علمه وتفرغه عن مهام الخلافة مدة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتأخر وفاته إلى زمن كثرت حاجة الناس فيه إلى من يُفسر لهم القرآن لاتساع رقعة الإسلام وكثرة الداخلين فيه . أما الثلاثة الباقون فلأنهم أنشئوا ما نستطيع أن نسميه بالمصطلح الحديث مدارس التفسير وهي : 1ـ مدرسة عبدالله بن عباس في مكة . ترجمته : ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى هو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وأمه لُبابة الكبرى بنت الحارث ، وخالته ميمونة بنت الحارث زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمّ المؤمنين ، لازم النبي صلى الله عليه وسلم في صغره ، لقرابته منه . وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث عشرة سنة . فلازم كبار الصحابة وأخذ عنهم ما فاته من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاته سنة ثمان وستين على الأرجح، وله من العمر سبعون سنة. مات بالطائف ودُفن بها . كان ابن عباس يُلقَّب بالحَبْر والبحر لكثرة علمه، وكان على درجة عظيمة من الاجتهاد والمعرفة بمعنى كتاب الله، ولذا انتهت إليه الرياسة في الفتوى والتفسير، وكان عمر رضي الله عنه يُجلسه في مجلسه مع كبار الصحابة ويُدينه منه . أسباب نبوغه: نستطيع أن نُرجِع هذه الشهرة العلمية، وهذا النبوغ الواسع الفيَّاض، إلى أسباب نجملها فيما يلي: أولاً: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: "اللَّهم فقِّهه فى الدين، وعلِّمه التأويل” . ثانياً: نشأته في بيت النبوة، وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عهد التمييز، فكان يسمع منه الشيء الكثير، ويشهد كثيراً من الحوادث والظروف التي نزلت فيها آيات القرآن. ثالثاً: ملازمته لأكابر الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ عنهم ويروى لهم، ويعرف منهم مواطن نزول القرآن، وتواريخ التشريع، وأسباب النزول، وبهذا استعاض عما فاته من العلم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم . رابعاً: حفظه للغة العربية، ومعرفته لغريبها، وآدابها، وخصائصها، وأساليبها، وكثيراً ما كان يستشهد للمعنى الذي يفهمه من لفظ القرآن بالبيت والأكثر من الشعر العربي. خامساً: بلوغه مرتبة الاجتهاد، وعدم تحرجه منه، وشجاعته في بيان ما يعتقد أنه الحق، دون أن يأبه لملامة لائم ونقد ناقد، ما دام يثق بأن الحق في جانبه . قيمة ابن عباس في تفسير القرآن: تتبين قيمة ابن عباس في التفسير، من قول تلميذه مجاهد: "إنه إذا فسَّرَ الشئ رأيت عليه النور"، ومن رجوع بعض الصحابة وكثير من التابعين إليه فى فهم ما أشكل عليهم من كتاب الله . وكان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ما يفتح الله به عليهم من طريق النظر والاجتهاد، مع الاستعانة في ذلك بمعرفة أسباب النزول والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن. وكان رضي الله عنه يرجع إلى أهل الكتاب ويأخذ عنهم، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في كثير من المواضع التي أُجمْلِت في القرآن وفُصِّلت في التوراة أو الإنجيل . كما كان ابن عباس رضي الله عنه يرجع في فهم معاني الألفاظ الغريبة التي وردت في القرآن إلى الشعر الجاهلي ، وكان غيره من الصحابة يسلك هذا الطريق في فهم غريب القرآن، ويحض على الرجوع إلى الشعر العربي القديم، ليُستعان به على فهم معانى الألفاظ القرآنية الغريبة . أسباب الوضع على ابن عباس: ولمكانة ابن عباس رضي الله عنهما في التفسير ومنزلته الكبيرة فقد كثر الوضع عليه في هذا الباب . ويبدو أن السر في كثرة الوضع على ابن عباس، هو أنه كان من بيت النبوة والوضع عليه يُكسب الموضوع ثقة وقوة أكثر مما لو وُضِع على غيره، أضف إلى ذلك ابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون، وكان من الناس مَن يتزلف إليهم، ويتقرَّب منهم بما يرويه لهم عن جدهم. وكانت هناك مدرسة يتلقى تلاميذها التفسير عن ابن عباس. استقرت هذه المدرسة بمكة، ثم غدَّت بعلمها الأمصار المختلفة . ومن أشهر تلاميذ ابن عباس : مجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، وطاوس بن كيسان ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس . ((((( المحاضرة الثالثة )))))))))) التفسير في عهد الصحابة (2) • عبد الله بن مسعود ترجمته هو عبد الله بن مسعود بن غافل، يصل نسبه إلى مُضَر، ويُكنَّى بأبي عبد الرحمن الهذلي ، وأُمه أُم عبد بنت عبدود، من هذيل، وكان يُنسب إليها أحياناً فيقال ابن أم عبد . وهو أول مَن جهر بالقرآن بمكة وأسمعه قريشاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُوذي في الله من أجل ذلك، ولما أسلم عبد الله ابن مسعود أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فكان يخدمه في أكثر شئونه، وهو صاحب طهوره وسواكه ونعله وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وشهد له بالفضل وعلو المنزلة . وقد ولى بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان، وقدم المدينة في آخر عمره، ومات بها سنة اثنتين وثلاثين، ودفُن بالبقيع ليلاً، تنفيذاً لوصيته بذلك، وكان عمره يوم وفاته، بضعاً وستين سنة. * مبلغة من العلم: كان ابن مسعود من أحفظ الصحابة لكتابة الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع منه القرآن، وقد أخبر هو بنفسه عن ذلك فقال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي سورة النساء ، قال : قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأت عليه حتى بلغت ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ” فاضت عيناه صلى الله عليه وسلم . وقد أقام رضي الله عنه بالكوفة يأخذ عنه أهلها الحديث والتفسير والفقه، وهو معلمهم وقاضيهم، ومؤسس طريقتهم في الاعتداد بالرأي حيث لا يوجد النص * قيمة ابن مسعود في التفسير: روى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"، ومن هذا الأثر يتضح لنا مقدار حرص ابن مسعود على تفهم كتاب الله تعالى والوقوف على معانيه . قال عبد الله - يعنى ابن مسعود:“ والذى لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته ” وهذا الأثر يدل على إحاطة ابن مسعود بمعانى كتاب الله، وأسباب نزول الآيات، وحرصه على تعرف ما عند غيره من العلم بكتاب الله تعالى ولو لقى عنتاً ومشقة وبالجملة فابن مسعود كما قيل: أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، وأعرفهم بمحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه، وقصصه وأمثاله، وأسباب نزوله . الرواية عن ابن مسعود ومبلغها من الصحة: ابن مسعود أكثر مَن روَى عنه في التفسير من الصحابة بعد ابن عباس رضي الله عنه، قال السيوطي في الإتقان: وأما ابن مسعود فقد رُوِى عنه أكثر مما رُوِى عن علىّ، وقد حمل علم ابن مسعود في التفسير أهل الكوفة نظراً لوجوده بينهم، يجلس إليهم فيأخذون عنه ويروون له، فمن رواته مسروق بن الأجدع الهمداني ، وعلقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد، وغيرهم من علماء الكوفة الذين تتلمذوا له ورووا عنه. • 3 - علىّ بن أبى طالب • ترجمته: • هو أبو الحسن، علىّ بن أبى طالب بن عبد المطلب، القرشي الهاشمي ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، وذُرِّيته صلى الله عليه وسلم منها. • أُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم. وهو أول هاشمي وُلِد من هاشميين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأول خليفة من بنى هاشم، وهو أول مَن أسلم من الأحداث وصدَّق برسول الله صلى الله عليه وسلم. هاجر إلى المدينة. • وقد شهد عليّ المشاهد كلها إلا تبوك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَفه على أهله، وله في الجميع بلاء عظيم ومواقف مشهورة، وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة . • وهو أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، اجتمع فيه من الفضائل ما لم يحظ به غيره، فمن ورع في الدين، إلى زهد في الدنيا، إلى قرابة وصهر برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى علم جم وفضل غزير، وقد توفى رحمه الله في رمضان سنة أربعين من الهجرة، مقتولاً بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي ، وعمره ثلاث وستون سنة، وقيل غير ذلك. • * مبلغه من العلم: كان رضي الله عنه بحراً في العلم، وكان قوى الحُجَّة، سليم الاستنباط، أُوتِىَ الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائي ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأُمور، وكثيراً ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفي واستجلاء ما أشكل . وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، ودعا له بقوله: "اللّهم ثبِّت لسانه واهد قلبه"، فكان مُوفَّقاً ومُسدَّداً، فيصلاً فى المعضلات، حتى ضُرِب به المثل فقيل: "قضية ولا أبا حسن لها” . • * مكانته من التفسير: جمع علىّ رضي الله عنه إلى مهارته في القضاء والفتوى، علمه بكتاب الله، وفهمه لأسراره وخفي معانيه، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد رُوِى عن ابن عباس أنه قال: "ما أخذت من تفسير القرآن فعن علىّ بن أبى طالب". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علىّ رضي الله عنه أنه قال:"واللهِ ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربى وهبَ لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً”. • *الرواية عن علىّ ومبلغها من الصحة: كثرة الرواية في التفسير عن علىّ رضي الله عنه، كثرة جاوزت الحد، الأمر الذي لفت أنظار العلماء النُقَّاد، وجعلهم يتتبعون الرواية عنه بالبحث والتحقيق، ليميزوا ما صح من غيره. • وما صح عن علىّ في التفسير قليل بالنسبة لما وُضِع عليه، ويرجع ذلك إلى غُلاة الشيعة، الذين أسرفوا في حبه فاختلقوا عليه ما هو برئ منه، إما ترويجاً لمذهبهم وتدعيماً له، وإما لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يُعلى من قدره، ويرفع من شأنه العلمي . • - أُبَىّ بن كعب • ترجمته: • هو أبو المنذر، أو أبو الطفيل، أُبَىّ بن كعب بن قيس، الأنصاري الخزرجى، شهد العقبة وبدراً، وقد أثنى عليه عمر رضي الله عنه فقال: "أُبَىّ سيد المسلمين" وقد أُختْلِفُ فى وفاته على أقوال كثيرة، والأكثر على أنه مات فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه. مبلغه من العلم: كان أُبَىّ بن كعب سيد القُرَّاء، وأحد كُتَّاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: "وأقرؤهم أُبَىّ بن كعب"، وليس أدل على جودة حفظه لكتاب الله تعالى من قراءة النبى صلى الله عليه وسلم . فقد أخرج الترمذى بسنده إلى أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: "إن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأُبَىّ بن كعب: إن الله أمرنى أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} قال: آلله سمانى لك؟ قال: نعم، فجعل أُبَىّ يبكى”. • * مكانته في التفسير: كان أُبَىّ بن كعب من أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، ولعل من أهم عوامل معرفته بمعاني كتاب الله، هو أنه كان حَبْراً من أحبار اليهود، العارفين بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها، وكونه من كُتَّاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بالضرورة يجعله على مبلغ عظيم من العلم بأسباب النزول ومواضعه، ومُقَدَّم القرآن ومُؤخره، وناسخه و منسوخه . • ثم لا يُعقل بعد ذلك أن تمر عليه آية من القرآن يشكل معناها عليه دون أن يسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا كله عُدّ أُبَىّ بن كعب من المكثرين في التفسير، الذين يُعتدَّ بما صح عنهم، ويُعوَّل على تفسيرهم. • * الرواية عنه في التفسير ومبلغها من الصحة: كثرت الرواية عن أُبَىّ بن كعب في التفسير وتعدَّدت طرقها، وتتبع العلماء هذه الطرق بالنقد، فعدَّلوا وجرَّحوا، لأنه كغيره من الصحابة لم يسلم من الوضع عليه • قيمة التفسير المأثور عن الصحابة • أولا: تفسير الصحابي له حكم المرفوع، إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول، وكل ما ليس للرأي فيه مجال، أما ما يكون للرأي فيه مجال، فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: ما حُكِمَ عليه بأنه من قبيل المرفوع لا يجوز رده اتفاقاً، بل يأخذه المفسر ولا يعدل عنه إلى غيره بأية حال. ثالثاً: ما حُكِمَ عليه بالوقف، تختلف فيه أنظار العلماء: فذهب فريق: إلى أن الموقوف على الصحابي من التفسير لا يجب الأخذ به لأنه لَمَّا لم يرفعه، عُلِم أنه اجتهد فيه، والمجتهد يُخطئ ويُصيب، والصحابة في اجتهادهم كسائر المجتهدين. وذهب فريق آخر إلى أنه يجب الأخذ به والرجوع إليه، لظن سماعهم له من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم إن فسَّروا برأيهم فرأيهم أصوب، لأنهم أدرى الناس بكتاب الله، إذ هم أهل اللسان، ولبركة الصحابة والتخلق بأخلاق النبوة، ولِمَا شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختُصوا بها، ولِمَا لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس وغيرهم. مميزات التفسير في هذه المرحلة يمتاز التفسير في هذه المرحلة بالمميزات الآتية: أولاً: لم يُفَسَّر القرآن جميعه، وإنما فُسِّر بعض منه، وهو ما غمض فهمه وهذا الغموض كان يزداد كلما بَعُد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فكان التفسير يتزايد تبعاً لتزايد هذا الغموض، إلى أن تم تفسير آيات القرآن جميعها. ثانياً: قِلَّة الاختلاف بينهم في فهم معانيه . ثالثاً: كانوا كثيراً ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يُلزمون أنفسهم بتفهم معانيه تفصيلاً، فيكفى أن يفهموا من مثل قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} .. أنه تعداد لِنعمَ الله تعالى على عباده. رابعاً: الاقتصار على توضيح المعنى اللُّغوي الذي فهموه بأخصر لفظ، مثل قولهم: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ}.. أي غير متعرض لمعصية، فإن زادوا على ذلك فمما عرفوه من أسباب النزول. خامساً: ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعوم وجود الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظراً لاتحادهم في العقيدة، ولأن الاختلاف المذهبي لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم. سادساً: لم يُدَّون شيء من التفسير في هذا العصر، لأن التدوين لم يكن إلا في القرآن الثاني . نعم أثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند الله تعالى. سابعاً: اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءاً منه وفرعاً من فروعه، ولم يتخذ التفسير له شكلاً منظماً، بل كانت هذه التفسيرات تُروى منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
((((( المحاضرة الرابعة ))))))))
التفسير في عهد التابعين ابتداء هذه المرحلة تنتهي المرحلة الأولى للتفسير بانصرام عهد الصحابة، وتبدأ المرحلة الثانية للتفسير من عصر التابعين الذين تتلمذوا للصحابة فتلقوا غالب معلوماتهم عنهم. وكما اشتهر بعض أعلام الصحابة بالتفسير والرجوع إليهم في استجلاء بعض ما خفي من كتاب الله، اشتهر أيضاً بالتفسير أعلام من التابعين، تكلَّموا في التفسير، ووضَّحوا لمعاصريهم خفي معانيه. مصادر التفسير فى هذا العصر وقد اعتمد هؤلاء المفسِّرون فى فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء فى الكتاب نفسه، وعلى ما رووه عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم، وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء فى كتبهم، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر فى كتاب الله تعالى. مدارس التفسير فى عصر التابعين: فتح الله على المسلمين كثيراً من بلاد العالَم فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى عهود الخلفاء من بعده، ولم يستقروا جميعاً فى بلد واحد من بلاد المسلمين .وقد حمل هؤلاء معهم إلى هذه البلاد التى رحلوا إليها، ما وعوه من العلم، وما حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس إليهم كثير من التابعين يأخذون العلم عنهم، وينقلونه لمن بعدهم، فقامت فى هذه الأمصار المختلفة مدارس علمية، أساتذتها الصحابة، وتلاميذها التابعون . واشتهر بعض هذه المدارس بالتفسير، وتتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسِّرين من الصحابة، فقامت مدرسة للتفسير بمكة، وأخرى بالمدينة، وثالثة بالعراق، وهذه المدارس الثلاث، هى أشهر مدارس التفسير فى الأمصار فى هذا العهد . أولاً: مدرسة التفسير بمكة * قيامها على ابن عباس: قامت مدرسة التفسير بمكة على عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، فكان يجلس لأصحابه من التابعين، يُفسِّر لهم كتاب الله تعالى، ويوضح لهم ما أشكل من العناية، وكان تلاميذه يعون عنه ما يقول، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه منه. أشهر رجالها: وقد اشتهر من تلاميذ ابن عباس بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاووس بن كيسان اليمانى، وعطاء بن أبى رباح. وهؤلاء كلهم كانوا من الموالى، وهم يختلفون فى الرواية عن ابن عباس قِلَّة وكثرة، كما اختلف العلماء فى مقدار الثقة بهم والركون إليهم. 1 - سعيد بن جبير * ترجمته: هو أبو محمد - أو أبو عبد الله - سعيد بن جبير بن هشام الأسدى الوالبى، مولاهم. كان حبشى الأصل، أسود اللون، أبيض الخصال. سمع جماعة من أئمة الصحابة. وروى عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما. * مكانته فى التفسير: كان رحمه الله من كبار التابعين ومتقدميهم فى التفسير والحديث والفقه، أخذ القراءة عن ابن عباس عرضاً، وسمع منه التفسير، وأكثر روايته عنه وقد جمع سعيد القراءات الثابتة عن الصحابة وكان يقرأ بها، ولقد جمع سعيد علم أصحابه من التابعين، وألمَّ بما عندهم من النواحى التى برزوا فيها، فقد قال خصيف: "كان من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب. وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوووس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير". لهذا كله نجد أستاذه ابن عباس يثق بعلمه، ويحيل عليه مَن يستفتيه، وان يقول لأهل الكوفة إذا أتوه ليسألوه عن شئ: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ - يعنى سعيد بن جبير هذا وقد وَثَّقَ علماء الجرح والتعديل سعيد بن جبير، فقال أبو القاسم الطبرى: هو ثقة، حُجَّة، إمام على المسلمين. وقد قُتل فى شعبان سنة 95 هـ (خمس وتسعين من الهجرة)، وهو ابن تسع وأربعين سنة، قال أبو الشيخ: قتله الحجاج صبراً. وله مناظرة قبل قتله مع الحجاج، تدل على قوة يقينه، وثبات إيمانه، وثقته بالله، فرضي الله عنه وأرضاه. 2 - مجاهد بن جبر * ترجمته: هو مجاهد بن جبر، المكى، المقرئ، المفسِّر، أبو الحجاج المخزومى، مولى السائب بن أبى السائب. كان أحد الأعلام الأثبات. ولد سنة 21 هـ (إحدى وعشرين من الهجرة) فى خلافة عمر بن الخطاب. وكانت وفاته بمكة وهو ساجد، سنة 104 هـ (أربع ومائة) على الأشهر، وعمره ثلاث وثمانون سنة. * مكانته فى التفسير: كان مجاهد - رحمه الله - أقل أصحاب ابن عباس رواية عنه فى التفسير، وكان أوثقهم، لهذا اعتمد على تفسيره الشافعى والبخارى وغيرهما، ونجد البخارى رضى الله عنه فى كتاب التفسير من الجامع الصحيح، ينقل لنا كثيراً من التفسير عن مجاهد، وهذه أكبر شهادة من البخارى على ثقته وعدالته، واعتراف منه بمبلغ فهمه لكتاب الله تعالى وقد روى الفضل ابن ميمون أنه سمع مجاهداً يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. وقال ابن سعد: كان ثقة، فقيهاً، عالماً، كثير الحديث. وقال الذهبى فى الميزان، فى آخر ترجمة مجاهد: أجمعت الأُمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به. وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. كل هذه شهادات من العلماء النُقَّاد تشهد بعلو مكانته فى التفسير. ولكن مع هذا كله، كان بعض العلماء لا يأخذ بتفسيره، فقد روى الذهى فى ميزانه: أن أبا بكر بن عياش قال: قلت للأعمش: ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ أو ما بالهم يَتَّقون تفسير مجاهد؟ - كما هى رواية ابن سعد - قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب. هذا هو كل ما أُخِذ على تفسيره ولكن لم نر أحداً طعن عليه فى صدقه وعدالته. وجملة القوَل فإن مجاهداً ثقة بلا مدافعة، وإن صح أنه كان يسأل أهل الكتاب فما أظن أنه تخطى حدود ما يجوز له من ذلك، لا سيما وهو تلميذ حَبْر الأُمة ابن عباس. الذى شدَد النكير على مَن يأخذ عن أهل الكتاب ويُصَدِّقهم فيما يقولونه مما يدخل تحت حدود النهى الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 – عِكرمة *ترجمته: هو أبو عبد الله عكرمة البربرى المدنى مولى ابن عباس (أصله من البربر بالمغرب) روى عن مولاه، وعلىّ بن أبى طالب، وأبى هريرة، وغيرهم. مطاعن مَن لا يُوَثِّقونه: وإنَّا لنجد العلماء الذين لم يثقوا بعكرمة، يصفونه بالجرأة على العلم ويقولون: إنه كان يَدَّعى معرفة كل شيء من القرآن، ويزيدون على ذلك فيتهمونه بالكذب على مولاه ابن عباس، ويتهمونه بأنه كان يرى رأى الخوارج . وكلها تهم باطلة لا تقوم على أساس، فعِكرمة مولى ابن عباس، كان يلازمه ويخالطه، فلا يضيره كثرة الرواية عنه لأن هذا أمر طبيعى، وأما ما رُمى به من الميل للخوراج، فافتراء عليه، ولا يكاد يتفق مع سلوكه فى حياته، قال ابن حجر: "فأما البدعة، فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه، لأنه لم يكن داعية، مع أنها لم تثبت عليه”. شهادات الموثِّقين له ولو أننا تتبعنا أقوال المنصفين، الذين عرفوا حقيقة هذا التابعى الجليل، لوجدناه رجلاً ثبتاً، لا يُتهم فى عدالته، وكل ما قيل فى شأنه من التهم لا يُراد به إلا أن يفقد الناس ثقتهم به وركونهم إليه. وقال البخارى: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكِرمة . وقال المروزى: أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عِكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل الحديث من أهل عصرنا مبلغه من العلم ومكانته في التفسير: هذا وإن عكرمة رضي الله عنه، كان على مبلغ عظيم من العلم، وعلى مكانة عالية من التفسير خاصة، وقد شهد له العلماء بذلك، فقال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن. وقال: عمرو بن دينار: دفع إلىّ جابر ابن زيد أسأل عنها عِكرمة وجعل يقول: هذا عِكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه وكان الشعبى يقول: ما بقى أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. هذا بعض ما قيل فى عكرمة، مما يشهد لمكانته فى العلم عامة، وفى التفسير خاصة، ولا عجب، فإن ملازمته لمولاه ابن عباس، توفى رحمه الله سنة 104 هـ (أربع ومائة من الهجرة)، أولاً: مدرسة التفسير بالمدينة *قيامها على أُبَىّ بن كعب: كان بالمدينة كثير من الصحابة، أقاموا بها ولم يتحوَّلوا عنها كما تحوَّل كثير منهم إلى غيرها من بلاد المسلمين، فجلسوا لأتباعهم يعلمونهم كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقامت بالمدينة مدرسة للتفسير، تتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسِّرين من الصحابة. ونستطيع أن نقول: إن قيام هذه المدرسة كان على أُبَى بن كعب، الذي يُعتبر بحق أشهر من تتلمذ له مفسِّرو التابعين بالمدينة، * أشهر رجالها وقد وُجِد بالمدينة فى هذا الوقت كثير من التابعين المعروفين بالتفسير، اشتهر من بينهم ثلاثة، هم: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظى. وهؤلاء منهم مَن أخذ عن أُبَىّ مباشرة، ومنهم مَن أخذ عنه بالواسطة. 1 - أبو العالية ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو العالية رفيع بن مهران الرياحى مولاهم، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين. روى عن علىّ، وابن مسعود، وابن عباس. وابن عمر، وأُبَىّ بن كعب، وغيرهم، وهو من ثقات التابعين المشهورين بالتفسير وقد أجمع عليه أصحاب الكتب الستة. وكان يحفظ القرآن ويتقنه وقال فيه ابن أبى داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبى العالية. وتُروى عن أُبَىّ بن كعب نسخة كبيرة فى التفسير، . وكانت وفاته سنة 90 هـ (تسعين من الهجرة) على أرجح الأقوال فى ذلك. 2 - محمد بن كعب القرظى * ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو حمزة - أو أبو عبد الله - محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظى المدنى، من حلفاء الأوس. روى عن علىّ، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم. وروى عن أُبَىّ بن كعب بالواسطة. وقد اشتهر بالثقة، والعدالة، والورع، وكثرة الحديث، وتأويل القرآن. قال ابن سعد: كان ثقة، عالماً، كثير الحديث، ورعاً . وهو عند أصحاب الكتب الستة. وقال ابن عون: ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من القرظى. وقال ابن حبان: كان من أفاضل أهل المدينة علماً وفقهاً، وكان يقص فى المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف فمات هو وجماعة معه تحت الهدم، سنة 118 هـ (ثمانى عشرة ومائة من الهجرة)، وقيل غير ذلك، وهو ابن ثمان وسبعين سنة. 3 - زيد بن أسلم ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو أسامة - أو أبو عبد الله - زيد بن أسلم، العدوى المدنى الفقيه المفسِّر، مولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه. كان من كبار التابعين الذين عُرفوا بالقول فى التفسير والثقة فيما يروونه، قال فيه الإمام أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائى: ثقة. ويكفينا شهادة هؤلاء الأربعة الأعلام دليلاً قوياً على ثقته وعدالته، كما أنه عند أصحاب الكتب الستة. ولقد كان زيد بن أسلم معروفاً بين معاصريه بغزارة العلم، فكان منهم مَن يجلس إليه، ويأخذ عنه، ويرى أنه ينفعه أكثر من غيره وقد عُرف زيد بأنه كان يُفسِّر القرآن برأيه ولا يتحرج من ذلك، وقد عُرف زيد بأنه كان يُفسِّر القرآن برأيه ولا يتحرج من ذلك، فقد روى حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر أنه قال فيه: لا أعلم به بأساً، إلا أنه يُفسِّر برأيه القرآن ويُكثر منه، وهذه شهادة من عبيد الله بن عمر أن زيداً ثقة لا يؤخذ عليه شئ إلأا أنه كان يُكثر من القول بالرأى، وهذ الا يُعَد مغمزاً من عبيد الله فى ثقته وعدالته، كما لا نستطيع أن نُعِد هذا طعناً منه فى علمه، فلعل عبيد الله كان ممن يتورعون عن القول فى القرآن برأيهم كغيره من الصحابة والتابعين، وكان زيد يرى جواز تفسير القرآن بالرأى فلا يتحرج منه كما لا يتحرج من ذلك كثير من الصحابة والتابعين، وأشهر مَن أخذ التفسير عن زيد بن أسلم من علماء المدينة: ابنه عبد الرحمن بن زيد، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة. وكانت وفاته سنة 136 هـ (ست وثلاثين ومائة من الهجرة) وقيل غير ذلك. |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
(( المحاضرة الخامسة ))
التفسير في عهد التابعين(2) ثالثاً: مدرسة التفسير بالعراق قيامها على ابن مسعود: قامت مدرسة التفسير بالعراق على عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، وكان هناك غيره من الصحابة أخذ عنهم أهل العراق التفسير، غير أن عبد الله ابن مسعود كان يعتبر الأستاذ الأول لهذه المدرسة، نظراً لشهرته فى التفسير وكثرة المروى عنه فى ذلك . ولأن عمر رضي الله عنه لما وَلَّى عمار بن ياسر على الكوفة، سيَّر معه عبد الله بن مسعود مُعلِّماً ووزيراً، فكونه مُعلِّم أهل الكوفة بأمر أمير المؤمنين عمر، جعل الكوفيين يجلسون إليه، ويأخذون عنه أكثر مما يأخذون عن غيره من الصحابة. ويمتاز أهل العراق بأنهم أهل الرأى. وهذه ظاهرة نجدها بكثرة فى مسائل الخلاف، ويقول العلماء: إن ابن مسعود هو الذى وضع الأساس لهذه الطريقة فى الاستدلال، ثم توارثها عنه علماء العراق، ومن الطبيعى أن تؤثر هذه الطريقة فى مدرسة التفسير، فيكثر تفسير بالرأى والاجتهاد، لأن استنباط مسائل الخلاف الشرعية، نتيجة من نتائج إعمال الرأى فى فهم نصوص القرآن والسُّنَّة. * أشهر رجالها: وقد عُرِف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين، اشتهر من بينهم علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، ومُرَّة الهمدانى، وعامر الشعبى، والحسن البصرى، وقتادة بن دعامة السدوسى . 1 - علقمة بن قيس ترجمته ومكانته فى التفسير: هو علقمة بن قيس، بن عبد الله، بن مالك، النخعى الكوفى، ولد فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عن عمر، وعثمان، وعلىّ، وابن مسعود، وغيرهم. وهو من أشهر رواة عبد الله بن مسعود، وأعرفهم به، وأعلمهم بعلمه. وكان رحمه الله ثقة مأموناً، على جانب عظيم من الورع والصلاح. قال فيه الإمام أحمد: ثقة من أهل الخير. وهو عند أصحاب الكتب الستة. قال أبو نعيم: مات سنة 61 هـ (إحدى وستين، أو اثنتين وستين من الهجرة)، وعمره تسعون سنة. 2 – مسروق ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو عائشة، مسروق بن الأجدع بن مالك بن أُمية الهمدانى الكوفى العابد. سأله عمر يوماً عن اسمه فقال له: اسمى مسروق بن الأجدع، فقال عمر: الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن، روى عن الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأُبَىّ بن كعب، وغيرهم، وكان أعلم أصحاب ابن مسعود، يمتاز بورعه وعلمه وعدالته، وكان شريح القاضى يستشيره فى معضلات المسائل وقال علىّ بن المدينى: ما أقَّدِمُ على مسروق من أصحاب عبد الله أحداً. وهذه الشهادة من ابن المدينى، يبدوَ أنها قائمة على ما امتاز به مسروق من غزارة العلم الذى استفاده من جلوسه لكثير من الصحابة ولابن مسعود على الأخص، الأمر الذى جعله يجمع بين علم هؤلاء جميعاً، ثم إن هذا التتلمذ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابن مسعود الذي اشتهر بتفسير القرآن، جعل من مسروق إماماً فى التفسير، وعالماً خبيراً بمعاني كتاب الله تعالى. أما ثقته وعدالته، فأمر اعترف به علماء الجرح والتعديل، فقال ابن معين: ثقة، لا يُسئل عن مثله. وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث صالحة. وذكره ابن حبان فى الثقات، وقد أخرج له الستة. وكانت وفاته سنة 63 هـ (ثلاث وستين من الهجرة) على الأشهر. 3 - الحسن البصرى ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو سعيد، الحسن بن أبى الحسن يسار البصرى مولى الأنصار، وأُمه خيرة مولاة أُم سلمة. قال ابن سعد: ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ونشأ بوادى القرى، وكان فصيحاً ورعاً وزاهداً، لا يُسبق فى وعظه، ولا يُدانَى فى مبلغ تأثيره على قلوب سامعيه. روى عن علىّ، وابن عمر، وأنس، وخلق كثير من الصحابة والتابعين. وإن الحسن البصرى ليجمع إلى صلاحه وورعه وبراعته فى الوعظ، غزارة العلم بكتاب الله تعالى، وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأحكام الحلال والحرام، وقد شهد له بالعلم خلق كثير، فقال أنس بن مالك: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا وروى أبو عوانة عن قتادة أنه قال: ما جالست فقيهاً قط إلا رأيت فضل الحسن عليه. وقال ابن سعد: كان الحسن جامعاً، عالماً، رفيعاً، فقيهاً، ثقة، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم فصيحا، جميلاً وسيما. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. توفى رحمه الله تعالى سن 110 هـ (عشر ومائة من الهجرة) وهو ابن ثمان وثمانين سنة. 4 – قتادة ترجمته ومكانته فى التفسير: هو أبو الخطاب، قتادة بن دعامه السدوسى الأكمه، عربى الأصل، كان يسكن البصرة. روى عن أنس، وأبى الطفيل، وابن سيرين، وعكرمة، وعطاء بن أبى رباح، وغيرهم. وكان قوى الحافظة، واسع الاطلاع فى الشعر العربى، بصيراً بأيام العرب، عليماً بأنسابهم، متضلعاً فى اللغة العربية، ومن هنا جاءت شهرته فى التفسير. وقال قتادة على مبلغ عظيم من العلم فوق ما اشتُهِر به من معرفته لتفسير كتاب الله. حتى قدَّمه بعضهم على كثير من أقرانه، وجعل بعضهم من النادر تقدم غير عليه. وقال فيه سعيد بن المسيب: ما أتانى عراقى أحسن من قتادة. ونجد أصحاب الصحاح يُخَرِّجون له، ويحتجون بروايته، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس: الزهرى، ثم قتادة. وقال ابن حبان فى الثقات: كان من علماء الناس بالقرآن والفقه، ومن حُفَّاظ أهل زمانه. وكانت وفاته سنة 117 هـ (سبع عشرة ومائة من الهجرة)، وعمره إذ ذاك ست وخمسون سنة على المشهور. قيمة التفسير المأثور عن التابعي اختلف العلماء فى الرجوع إلى تفسير التابعين والأخذ بأقوالهم إذا لم يُؤثَر فى ذلك شيء من الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فنُقِل عن الإمام أحمد رضى الله عنه روايتان فى ذلك: رواية بالقبول، ورواية بعدم القبول، وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يُؤخذ بتفسير التابعى، واختاره ابن عقيل، وحكى عن شعبة واستدل أصحاب هذا الرأى على ما ذهبوا إليه: بأن التابعين ليس لهم سماع من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن الحمل عليه كما قيل فى تفسير الصحابى: إنه محمول على سماعه من النبى صلى الله عليه وسلم . وبأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التى نزل عليها القرآن، فيجوز عليهم الخطأ فى فهم المراد وظن ما ليس بدليل دليلاً، ومع ذلك فعدالة التابعين غير منصوص عليها كما نُصَّ على عدالة الصحابة . نُقِل عن أبى حنيفة أنه قال: "ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال". وقد ذهب أكثر المفسِّرين: إلى أنه يؤخذ بقول التابعى فى التفسيبر، لأن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة، فمجاهد مثلاُ يقول: عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أُوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وقتادة يقول: ما فى القرآن آية إلا وقد سمعتُ فيها شيئاً. ولذا حكى أكثر المفسِّرين أقوال التابعين فى كتبهم ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها. والذى تميل إليه النفس: هو أن قول التابعى فى التفسير لا يجب الأخذ به إلا إذا كان مما لا مجال للرأى فيه، فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة، فإن ارتبنا فيه، بأن كان يأخذ من أهل الكتاب، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه، أما إذا أجمع التابعون على رأى فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره. قال ابن تيمية: قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين ليست حُجَّة، فكيف تكون حُجَّة فى التفسير؟ بمعنى أنها لا تكون حُجَّة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشئ فلا يُرتاب فى كونه حُجَّة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حُجَّة على بعض ولا على مَن بعدهم، ويُرجع فى ذلك إلى لغة القرآن، أو السُّنَّة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة فى ذلك. مميزات التفسير فى هذه المرحلة أولاً: دخل فى التفسير كثير من الإسرائيليات ، وذلك لكثرة مَن دخل من أهل الكتاب فى الإسلام، وكان لا يزال عالقاً بأذهانهم من الأخبار ما لا يتصل بالأحكام الشرعية، كأخبار بدء الخليقة، وأسرار الوجود، وبدء الكائنات. وكثير من القصص. وكانت النفوس ميَّالة لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فتساهل التابعون فزجوا فى التفسير بكثير من الإسرائيليات والنصرانيات بدون تحرٍّ ونقد. وأكثر من رُوى عنه فى ذلك من مسلمى أهل الكتاب: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. ثانياً: ظل التفسير محتفظاً بطابع التلقى والرواية، إلا أنه لم يكن تلقياً ورواية بالمعنى الشامل كما هو الشأن فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل كان تلقياً ورواية يغلب عليهما طابع الاختصاص، فأهل كل مصر يعنون - بوجه خاص - بالتلقى والرواية عن إمام مصرهم، فالمكيون عن ابن عباس، والمدنيون عن أُبَىّ، والعراقيون عن ابن مسعود... وهكذا. ثالثاً: ظهرت فى هذا العصر نواة الخلاف المذهبى، فظهرت بعض تفسيرات تحمل فى طيَّاتها هذه المذاهب، فنجد مثلاً قتادة بن دعامة السدوسى يُنسب إلى الخوض فى القضاء والقَدَر ويتُهم بأنه قدرى، ولا شك أن هذا أثَّرَ على تفسيره، ولهذا كان يتحرج بعض الناس من الرواية عنه. رابعاً: كثرة الخلاف بين التابعين فى التفسير عما كان بين الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان اختلافاً قليلاً بالنسبة لما وقع بعد ذلك من متأخرى المفسِّرين. |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
المحاضرة السادسة لمناهج المفسرين :
• التفسير في عصور التدوين ابتداء هذه المرحلة: تبدأ المرحلة الثالثة للتفسير من مبدأ ظهور التدوين، وذلك في أواخر عهد بنى أمية، وأول عهد للعباسين الخطوات التي تدرج فيها : الخطوة الأولى للتفسير: كان التفسير قبل ذلك يُتناقل بطريق الرواية، فالصحابة يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يروى بعضهم عن بعض. والتابعون يروون عن الصحابة. كما يروى بعضهم عن بعض، وهذه هي الخطوة الأولى للتفسير. الخطوة الثانية: ثم بعد عصر الصحابة والتابعين، خطا التفسير خطوة ثانية، وذلك حيث ابتدأ التدوين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أبوابه متنوعة، وكان التفسير باباً من هذه الأبواب التي أشتمل عليها الحديث، فلم يُفرد له تأليف خاص يُفسِّر القرآن سورة سورة، وآية آية، من مبدئه إلى منتهاه، بل وُجد من العلماء مَن طوَّف في الأمصار المختلفة ليجمع الحديث، فجمع بجوار ذلك ما رُوِى في الأمصار من تفسير منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى الصحابة، أو إلى التابعين . ومن هؤلاء: يزيد بن هارون السلمي ، وشعبه بن الحجاج و وكيع بن الجراح ، وسفيان بن عيينة وغيرهم، وهؤلاء جميعاً كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعاً لباب من أبواب الحديث، ولم يكن جمعاً للتفسير على استقلال وانفراد. وجميع ما نقله هؤلاء الأعلام عن أسلافهم من أئمة التفسير نقلوه مسنداً إليهم، غير أن هذه التفاسير لم يصل إلينا شيء منها، ولذا لا نستطيع أن نحكم عليها . الخطوة الثالثة: ثم بعد هذه الخطوة الثانية، خطا التفسير ثالثة، انفصل بها عن الحديث، فأصبح علماً قائماً بنفسه، ووضع التفسير لكل آية من القرآن، ورُتَّب ذلك على حسب ترتيب المصحف. وتم ذلك على أيدي طائفة من العلماء . منهم ابن ماجة وابن جرير الطبري ، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ بن حبان ، والحاكم ، وأبو بكر بن مردويه . وغيرهم من أئمة هذا الشأن. هذه التفاسير مروية بالإسناد إلى رسول الله وكل صلى الله عليه وسلم، وإلى الصحابة، والتابعين، وتابع التابعين، وليس فيها شيء من التفسير أكثر من التفسير المأثور، اللَّهم إلا ابن جرير الطبري فإنه ذكر الأقوال ثم وجهَّها، ورجَّح بعضها على بعض، وزاد على ذلك الإعراب إن دعت إليه حاجة، واستنبط الأحكام التي يمكن أن تؤخذ من الآيات القرآنية . وإذا كان التفسير قد خطا هذه الخطوة الثالثة التي انفصل بها عن الحديث، فليس معنى أن هذه الخطوة محت ما قبلها وألغت العمل به، بل معناه أن التفسير تدرج في خطواته، فبعد أن كانت الخطوة الأولى للتفسير هي النقل عن طريق التلقي والرواية، كانت الخطوة الثانية له، وهى تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الثالثة، وهى تدوينه على استقلال وانفراد . الخطوة الرابعة: ثم إن التفسير لم يقف عند هذه الخطوة الثالثة بل خطا بعدها خطوة رابعة، لم يتجاوز بها حدود التفسير بالمأثور، وإن كان قد تجاوز روايته بالإسناد، فصنَّف في التفسير خلق كثير، اختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال المأثورة عن المفسِّرين من أسلافهم دون أن ينسبوها لقائليها . فدخل الوضع في التفسير والتبس الصحيح بالعليل، وأصبح الناظر في هذه الكتب يظن أن كل ما فيها صحيح، فنقله كثير من المتأخرين في تفاسيرهم، ونقلوا ما جاء في هذه الكتب من إسرائيليات على أنها حقائق ثابتة، وكان ذلك هو مبدأ ظهور خطر الوضع والإسرئليات في التفسير الخطوة الخامسة: ثم خطا التفسير بعد ذلك خطوة خامسة، هي أوسع الخطا وأفسحها، امتدت من العصر العباسي إلى يومنا هذا، فبعد أن كان تدوين التفسير مقصوراً على رواية ما نُقِل عن سَلَف هذه الأمة، تجاوز بهذه الخطوة الواسعة إلى تدوين تفسير اختلط فيه الفهم العقلي بالتفسير النقلي، وكان ذلك على تدرج ملحوظ في ذلك . تدرج التفسير العقلي • بدأ ذلك أولاً على هيئة محاولات فهم شخص، وترجيح لبعض الأقوال على بعض، وكان هذا أمراً مقبولاً ،ما دام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة ودلالة الكلمات القرآنية. ثم ظلت محاولات هذا الفهم الشخصي تزداد وتتضخم، متأثرة بالمعارف المختلفة، والعلوم المتنوعة، والآراء المتشعبة، والعقائد المتباينة، حتى وُجِد من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة، لا تكاد تتصل بالتفسير إلا عن بُعْدٍ عظيم. • دُوِّنت علوم اللغة، ودُوَّن النحو الصرف، وتشعبَّت مذاهب الخلاف الفقهي، وأثيرت مسائل الكلام، وظهر التعصب المذهبي قائماً على قدمه وساقه في العصر العباسي، وقامت الفِرَق الإسلامية بنشر مذاهبها والدعوة إليها، وتُرجمت كتب كثيرة من كتب الفلاسفة، فامتزجت كل هذه العلوم وما يتعلق بها من أبحاث بالتفسير حتى طغت عليه، وغلب الجانب العقلي على الجانب النقلي ، وصار أظهر شيء في هذه الكتب، هو الناحية العقلية، وإن كانت لا تخلو مع ذلك من منقول يتصل بأسباب النزول، أو بغير ذلك على المأثور. • وهكذا تدرج التفسير، واتجهت الكتب المؤلَّفة فيه اتجاهات متنوعة، وتحكَّمت الاصطلاحات العلمية، والعقائد المذهبية في عبارات القرآن الكريم، فظهرت آثار الثقافة الفلسفية والعلمية للمسلمين في تفسير القرآن، كما ظهرت آثار التصوف واضحة فيه، وكما ظهرت آثار النِحَل والأهواء فيه ظهوراً جلياً. • وإنَّا لنلحظ في وضوح وجلاء: أن كل مَن برع في فن من فنون العلم، يكاد يقتصر تفسيره على الفن الذي برع فيه، فالنحوي تراه لا هَمَّ له إلا الإعراب وذكر ما يحتمل في ذلك من أوجه، وتراه ينقل مسائل النحو وفروعه وخلافياته، وذلك كالزَجَّاج . والواحدى في "البسيط"، وأبى حيان فى "البحر المحيط". وصاحب العلوم العقلية، تراه يعنى في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، كما تراه يعنى بذكر شبُههم والرد عليهم، وذلك كالفخر الرازي في كتابه "مفاتيح الغيب". • وصاحب الفقه تراه قد عنى بتقريره الأدلة للفروع الفقهية، والرد على مَن يخالف مذهبه، وذلك كالجصَّاص، والقرطبي.. وصاحب التاريخ، ليس له شغل إلا القصص، وذكر أخبار مَن سَلَف، ما صح منها وما لا يصح، وذلك كالثعلبي والخازن.. • وصاحب البدع، ليس له قصد إلا أن يُؤوِّل كلام الله ويُنزله على مذهبه الفاسد، وذلك كالرماني، والجبائى، والقاضي عبد الجبار، والزمخشرى من المعتزلة، والطبرسى، وملا محسن الكاشى من الإمامية الإثنا عشرية. • وأصحاب التصوف قصدوا إلى ناحية الترغيب والترهيب. واستخراج المعاني الإشارية من الآيات القرآنية بما يتفق مع مشاربهم، ويتناسب مع رياضاتهم ومن هؤلاء ابن عربي، وأبو عبد الرحمن السلمي.. وهكذا فسَّر كل صاحب فن أو مذهب بما يتناسب مع فنه أو يشهد لمذهبه، وقد استمرت هذه النزعة العلمية العقلية وراجت فى بعض العصور رواجاً عظيماً • التفسير الموضوعي: • وكذلك وُجِد مِنَ العلماء مَن ضيَّق دائرة البحث في التفسير، فتكلَّم عن ناحية واحدة من نَواحيه المتشعبة المتعددة، فابن القيم - مثلاً - أفرد كتاباً من مؤلفاته للكلام عن أقسام القرآن سماه "التبيان فى أقسام القرآن". وأبو عبيدة أفرد كتاباً للكلام عن مجاز القرآن والراغب الأصفهانى أفرد كتاباً في مفردات القرآن. • وأبو جعفر النحاس أفرد كتاباً في الناسخ والمنسوخ من القرآن. وأبو الحسن الواحدي أفرد كتاباً في أسباب نزول القرآن. و الجصاص أفرد كتاباً في أحكام القرآن.. وغير هؤلاء كثير من العلماء الذين قصدوا إلى موضوع خاص فى القرآن يجمعون ما تفرَّق منه، ويفردونه بالدرس والبحث. • ثم إنَّا نجد متقدمي المفسِّرين قد توسَّعوا في التفسير إلى حد كبير، جعل مَن جاء بعدهم من المفسِّرين لا يلقون عنتاً، ولا يجدون مشقة في محاولتهم لفهم كتاب الله، وتدوين ما دوَّنوا من كتب في التفسير، فمنهم مَن أخذ كلام غيره وزاد عليه، ومنهم من اختصر . • ومنهم مَن علَّق الحواشي وتتبع كلام من سبقه، تارة بالكشف عن المراد، وأخرى بالتفنيد والاعتراض، ومع ذلك فاتجاهات التفسير، وتعدد طرائقه وألوانه. مل تزل على ما كانت عليه، متشعبة متكاثرة. • التفسير بالمأثور : • ما هو التفسير المأثور؟ يشمل التفسير المأثور ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نُقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما نُقِل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما نُقِل عن التابعين، من كل ما هو بيان وتوضح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم. • وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما رُوِىَ عن التابعين - وإن كان فيه خلاف: هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأى - لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور، كتفسير ابن جرير وغيره، لم تقتصر على ما ذِكْر ما رُوِىَ عن النبى صلى الله عليه وسلم وما رُوِىَ عن أصحابه، بل ضمت إلى ذلك ما نُقِل عن التابعين فى التفسير. • تدرج التفسير المأثور: تدرَّج التفسير المأثور في دوريه - دور الرواية ودور التدوين - أما فى دور الرواية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه ما أشكل عليهم من معانى القرآن، فكان هذا القَدْر من التفسير يتناوله الصحابة بالرواية بعضهم لبعض، ولمن جاء بعدهم من التابعين. • ثم وُجد من الصحابة مَنْ تكلم في تفسير القرآن بما ثبت لديه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بمحض رأيه واجتهاده، وكان ذلك على قِلَّة يرجع السبب فيها إلى الروعة الدينية التي كانت لهذا العهد، والمستوى العقلي الرفيع لأهله، وتحدد حاجات حياتهم العملية، ثم شعورهم مع هذا بأن التفسير شهادة على الله بأنه عَنِى باللفظ كذا. • ثم وُجِد من التابعين مَنْ تصدَّى للتفسير، فروى ما تجمَّع لديه من ذلك عن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وزاد على ذلك من القول بالرأي والاجتهاد، بمقدار ما زاد من الغموض الذي كان يتزايد كلما بَعْدُ الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. • ثم جاءت الطبقة التي تلي التابعين وروت عنهم ما قالوا، وزادوا عليه بمقدار ما زاد من غموض... وهكذا ظل التفسير يتضخم طبقة بعد طبقة، وتروى الطبقة التالية ما كان عند الطبقات التي سبقتها، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق. • ثم ابتدأ دور التدوين ، فكان أول ما دُوِّن من التفسير، هو التفسير المأثور، على تدرج فى التدوين كذلك، فكان رجال الحديث والرواية هم أصحاب الشأن الأول فى هذا. وقد رأينا أصحاب مبادئ العلوم حين ينسبون - على عادتهم - وضع كل علم لشخص بعينه، يعدون وضع التفسير - بمعنى جامعه لا مُدَوِّنه - الإمام مالك بن أنس الأصبحى، إمام دار الهجرة. • كان التفسير إلى هذا الوقت لم يتخذ له شكلاً منظماً، ولم يُفرد بالتدوين، بل كان يُكتب على أنه باب من أبواب الحديث المختلفة، يجمعون فيه ما رُوِى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين. ثم بعد ذلك انفصل التفسير عن الحديث، وأُفرد بتأليف خاص، فكان أول ما عُرف لنا من ذلك، تلك الصحيفة التي رواها علىّ بن أبى طلحة عن ابن عباس. • ثم وجُد من ذلك جزء أو أجزاء دُوِّنت في التفسير خاصة، مثل ذلك الجزء المنسوب لأبى رَوق، وتلك الأجزاء الثلاثة التي يرويها محمد بن ثور عن ابن جريج. ثم وُجِدَت من ذلك موسوعات من الكتب المؤلَّفة في التفسير، جمعت كل ما وقع لأصحابها من التفسير المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم، كتفسير ابن جرير الطبري. • ويُلاحَظ أن ابن جرير وغيره - وإن نقلوا تفاسيرهم بالإسناد - توسَّعوا فى النقل وأكثروا منه، حتى استفاض وشمل ما ليس موثوقاً به. كما يُلاحَظ أنه كان لا يزال موجوداً إلى ما بعد عصر ابن جرير ومَنْ على شاكلته - ممن أفردوا التفسير بالتـأليف - رجال من المحدِّثين بوَّبوا للتفسير باباً ضمن أبواب ما جمعوا من الأحاديث. • ثم وُجِد بعد هذا أقوام دوَّنوا التفسير المأثور بدون أن يذكروا أسانيدهم في ذلك، وأكثروا من نقل الأقوال في تفاسيرهم بدون تفرقة بين الصحيح والعليل، مما جعل الناظر في هذه الكتب لا يركن لما جاء فيها، لجواز أن يكون من قبيل الموضوع المختلق، وهو كثير في التفسير. ثم بعد هذا تغيَّرت موجهات الحياة، فبعد أن كان التدوين في التفسير لا يتعدى المأثور منه، تعدَّى إلى تدوين التفسير بالرأي على تدرج فيه، • الضعف في رواية التفسير المأثور وأسبابه: • علمنا مما تقدَّم أن التفسير المأثور يشمل ما كان تفسيراً للقرآن بالقرآن، وما كان تفسيراً للقرآن بالسُّنَّة، وما كان تفسيراً للقرآن بالموقوف على الصحابة أو المروى عن التابعين. أما تفسير القرآن بالقرآن. أو بما ثبت من السُّنَّة الصحيحة، فذلك مما لا خلاف في قبوله، لأنه لا يتطرق إليه الضعف. ولا يجد الشك إليه سبيلاً. وأما ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف في سنده أو متنه فذلك مردود غير مقبول، ما دام لم تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. • وأما تفسير القرآن بما يُروى عن الصحابة أو التابعين، فقد تسرَّب إليه الخلل، وتطرَّق إليه الضعف، إلى حد كاد يُفقدنا الثقة بكل ما رُوِى من ذلك، لولا أن قيَّض الله لهذا التراث العظيم من أزاح عنه هذه الشكوك، فسلمت لنا منه كمية لا يُستهان بها، وإن كان صحيحها وسقيمها لا يزال خليطاً في كثير من الكتب التي عَنِىَ أصحابها بجمع شتات الأقوال. • ولقد كانت كثرة المروى من ذلك كثرة جاوزت الحد - وبخاصة عن ابن عباس وعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنهما - أكبر عامل فى صرف همة العلماء ولفت أنظارهم إلى البحث والتمحيص، والنقد والتعديل والتجريح • أسباب الضعف: ونستطيع أن نُرجِعْ أسباب الضعف في رواية التفسير المأثور إلى أُمور ثلاثة: أولها: كثرة الوضع في التفسير. ثانيها: دخول الإسرائيليات فيه. ثالثها: حذف الأسانيد. • أولاً: الوضع في التفسير • نشأة الوضع في التفسير: نشأ الوضع في التفسير مع نشأته في الحديث، لأنهما كانا أول الأمر مزيجاً لا يستقل أحدهما عن الآخر، فكما أننا نجد في الحديث: الصحيح والحسن والضعيف، وفى رواته مَنْ هو موثوق به، ومَنْ هو مشكوك فيه، ومَنْ عُرِف بالوضع، نجد مثل ذلك فيما رُوِىَ من التفسير، ومَنْ روَى من المفسِّرين. • وكان مبدأ ظهور الوضع في سنة إحدى وأربعين من الهجرة، حين اختلف المسلمون سياسياً، وتفرَّقوا إلى شيعة وخوارج وجمهور، ووُجِدَ من أهل البدع والأهواء مَنْ روَّجوا لبدعهم، وتعصبَّوا لأهوائهم، ودخل في الإسلام مَن تبطن الكفر والتحف الإسلام بقصد الكيد له، وتضليل أهله، فوضعوا ما وضعوا من روايات باطلة، ليصلوا بها إلى أغراضهم السيئة، ورغباتهم الخبيثة. • أسبابه: ويرجع الوضع في التفسير إلى أسباب متعددة: منها التعصب المذهبي، فإنَّ ما جَدَّ من افتراق الأُمة إلى شيعة تطرَّفوا في حب علىّ، وخوارج انصرفوا عنه وناصبوه العداء، وجمهور المسلمين الذين وقفوا بجانب هاتين الطائفتين بدون أن يمسهم شيء من ابتداع التشيع أو الخروج، جعل كل طائفة من هذه الطوائف تحاول بكل جهودها أن تؤيد مذهبها بشيء من القرآن • فنسب الشيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى علىّ وغيره من أهل البيت - رضى الله عنهم - أقوالاً كثيرة من التفسير تشهد لمذهبهم. كما وضع الخوارج كثيراً من التفسير الذي يشهد لمذهبهم، ونسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد أصحابه، وكان قصد كل فريق من نسبة هذه الموضوعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد أصحابه، الترويج للمروى، والإمعان في التدليس . • فإن نسبة المروى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أو إلى أحد الصحابة، تورث المروى ثقة وقبولاً. لا يوجد شيء منهما عندما يُنسب المروى لغير النبي عليه الصلاة والسلام أو لغير صحابي. • كذلك نجد اللون السياسي في هذا العصر يترك له أثراً بَيِّناً في وضع التفسير، ويُلاحَظ أن المروى عن علىّ وابن عباس رضي الله عنهما قد جاوز حد الكثرة، مما يجعلنا نميل إلى القول بأنه قد وُضع عليهما في التفسير أكثر مما وُضِع على غيرهما، والسبب في ذلك أنَّ علياً وابن عباس رضي الله عنهما من بيت النبوة . • فالوضع عليهما يُكسب الموضوع ثقة وقبولاً، وتقديساً ورواجاً، مما لا يكون لشيء مما يُنسب إلى غيرهما. و فوق هذا فقد كان لعلىّ من الشيعة ما ليس لغيره، فنسبوا إليه من القول في التفسير ما يظنون أنه يُعلى من قدره، ويرفع من شأنه. • وابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون، فوُجِد من الناس مَنْ تزَّلف إليهم، وتقرَّب بكثرة ما يرويه لهم عن جدهم ابن عباس، مما يدل على أن اللون السياسي كان له أثر ظاهر في وضع التفسير. كذلك نجد من أسباب الوضع في التفسير ما قصده أعداء الإسلام الذين اندَّسوا بين أبنائه متظاهرين بالإسلام، من الكيد له ولأهله، فعمدوا إلى الدس والوضع في التفسير بعد أن عجزوا عن أن ينالوا من هذا الدين عن طريق الحرب والقوة، أو عن طريق البرهان والحُجَّة. أثر الوضع في التفسير: • وكان من وراء هذه الكثرة التي دخلت في التفسير ودُسَّت عليه، أن ضاع كثير من هذا التراث العظيم إلى خلَّفه لنا أعلام المفسِّرين من السَلَف، لأن ما أحاط به من شكوك، أفقدنا الثقة به، وجعلنا نرد كل رواية تطرَّق إليها شيء من الضعف، وربما كانت صحيحة فى ذاتها. • كما أن اختلاط الصحيح من هذه الروايات بالسقيم منها، جعل بعض مَنْ ينظر فيها وليس عنده القدرة على التمييز بين الصحيح والعليل، ينظر إلى جميع ما رُوِىَ بعين واحدة، فيحكم على الجميع بالصحة، وربما وَجَد من ذلك روايتين متناقضتين عن مفسِّر واحد فيتهمه بالتناقض فى قوله، ويتهم المسلمين بقبول هذه الروايات المتناقضة المتضاربة. |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
المحاضرة السابعة
الإسرائيليات وأثرها في التفسير بيان المراد بالإسرائيليات ومدى الصلة بينها وبين القرآن: انظر : الكتاب مبدأ دخول الإسرائيليات فى التفسير وتطوره: انظر : الكتاب أثر الإسرائيليات في التفسير لقد كان لهذه الإسرائيليات التي أخذها المفسِّرون عن أهل الكتاب وشرحوا بها كتاب الله تعالى أثر سيء في التفسير، ذلك لأن الأمر لم يقف على ما كان عليه في عهد الصحابة، بل زادوا على ذلك فرووا كل ما قيل لهم إن صدقاً وإن كذباً، بل ودخل هذا النوع من التفسير كثير من القصص الخيالي المخترَع، مما جعل الناظر في كتب التفسير التي هذا شأنها يكاد لا يقبل شيئاً مما جاء فيها، لاعتقاده أنَّ الكل من واد واحد. كما أن نسبة هذه الإسرائيليات التي لا يكاد يصح شيء منها إلى بعض من آمن مِنْ أهل الكتاب، جعلت بعض الناس ينظر إليهم بعين الاتهام والريبة. قيمة ما يُروى من الإسرائيليات: تنقسم الأخبار الإسرائيلية إلى أقسام ثلاثة، وهى ما يأتي: القسم الأول: ما يُعلم صحته بأن نُقِل عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحاً على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري أو كان له شاهد من الشرع يؤيده. وهذا القسم صحيح مقبول. القسم الثاني: ما يُعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا، أو كان لا يتفق مع العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا روايته. القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثاني، وهذا القسم نتوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته، لما تقدَّم من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم"، وقولوا آمنا بالله وما أُنِزلَ إلينا..." الآية. وهذا القسم غالبه مما ليس فيه فائدة تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا اختلافاً كثيراً، ويأتي عن المفسِّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين بعض البقرة الذي ضُرِب به قتيل بني إسرائيل، ونوع الشجرة التي كلِّم الله منها موسى.. إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن ولا فائدة في تعيينه تعود على المكلَّفين في ديناهم أو دينهم. ثم إذا جاء شيء من هذا القبيل - أعنى ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده - عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالقسم الأول، يُقبل ولا يُرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم. وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، ولا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلاً بالنسبة لغيرهم من التابعين ومَن يليهم. أما إن جاء شيء من هذا عن بعض التابعين، فهو مما يُتوقف فيه ولا يُحكم عليه بصدق ولا يكذب، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب، لما عُرفوا به من كثرة الأخذ عنهم، وبُعد احتمال كونه مما سُمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك، أما إن اتفقوا عليه. فإنه يكون أبعد من أن يكون مسموعاً من أهل الكتاب، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به. موقف المفسِّر إزاء هذه الإسرائيليات: أن كثرة النقل عن أهل الكتاب بدون تفرقة بين الصحيح والعليل دسيسة دخلت في ديننا واستفحل خطرها، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم" فهي قاعدة مقرَّرة لا يصح العدول عنها بأي حال من الأحوال، يجب على المفسِّر أن يكون يقظاً إلى أبعد حدود اليقظة، ناقداً إلى نهاية ما يصل إليه النقاد من دقة وروية حتى يستطيع أن يستخلص من هذا الهشيم المركوم من الإسرائيليات ما يناسب روح القرآن، ويتفق مع العقل والنقل . كذلك يجب على المفسِّر أن يلحظ أن الضروري يتقدَّر بقدر الحاجة، فلا يذكر في تفسيره شيئاً من ذلك إلا بقدر ما يقتضيه بيان الإجمال، ليحصل التصديق بشهادة القرآن فيكف اللسان عن الزيادة. نعم... إذا اختلف المتقدمون في شيء من هذا القبيل وكثرت أقوالهم ونقولهم، فلا مانع من نقل المفسِّر لهذه الأقوال جميعاً، على أن ينبه على الصحيح منها، ويبطُل الباطل. وليس له أن يحكى الخلاف ويُطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، لأن مثل هذا العمل يُعَد ناقصاً لا فائدة فيه ما دام قد خلط الصحيح بالعليل، ووضع أمام القارئ من الأقوال المختلفة ما يسبب له الحيرة والاضطراب. قول ابن تيمية في آية الكهف (انظر الكتاب) أقطاب الروايات الإسرائيلية: نلاحظ أن غالب ما يروى في كتب التفسير بالمأثور من إسرائيليات، يكاد يدور على أربعة أشخاص، هم: عبد الله ابن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبِّه، وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج.. وهؤلاء الأربعة اختلفت أنظار الناس في الحكم عليهم والثقة بهم، فمنهم من ارتفع بهم عن حد التهمة، ومنهم من رماهم بالكذب وعدم التثبت في الرواية . 1 - عبد الله بن سلام ترجمته: هو أبو يوسف، عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري، حليف بن عوف من الخرزج، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام. أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. حديث البخاري عن قصة إسلامه (الكتاب) قيل: وكان اسمه الحصين، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: "عبد الله"، وشهد له بالجنة. ونجد البخاري رضي الله عن - عند الكلام عن مناقب الأنصار - يُفرد لعبد الله بن سلام باباً مستقلاً في مناقبه، فروى فيما روى من ذلك بإسناده إلى سعد بن أبى وقاص أنه قال: ما سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشى على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وقال: فيه نزلت هذه الآية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }... الآية: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وعوف بن مالك، وأبو هريرة، وأبو بردة بن أبى موسى، وعطاء بن يسار، وغيرهم. وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس والجابية. ومات بالمدينة سنة 43 هـ ، وقيل غير ذلك. وقد عَدَّه بعضهم في البدريين . مبلغه من العلم والعدالة أما مبلغه من العلم، فيكفى ما جاء في الحديث البخاري السابق من إخباره عن نفسه: أنه أعلم اليهود وابن أعلمهم، وإقرار اليهود بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. والحق أنه اشتهر بين الصحابة بالعلم، حتى لقد روي أنه لَّما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، فقال: أجلسوني... قال: إن العلم والإيمان عند أربعة رهط: عند عويمر أبى الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله ابن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة". وليس عجيباً أن يكون عبد الله بن سلام في هذه المكانة العالية من العلم بعد أن اجتمع لديه علم التوراة وعلم القرآن، وبعد أن امتزجت فيه الثقافتان اليهودية والإسلامية، ولقد نقل عنه المسلمون كثيراً مما يدل على علمه بالتوراة وما حولها، ونجد ابن جرير الطبري ينسب إليه في تاريخه كثيراً من الأقوال في المسائل التاريخية الدينية، كما نجده يتجمع حول اسمه كثير من المسائل الإسرائيلية، يرويها كثير من المفسِّرين في كتبهم. 2 - كعب الأحبار ترجمته: هو أبو إسحاق، كعب بن ماتع الحميرى، المعروف بكعب الأحبار، وأصله من يهود اليمن، ويقال: إنه أدرك الجاهلية وأسلم في خلافة أبى بكر، وقيل: في خلافة عمر، وقيل: إنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت هجرته . وقال ابن حجر في الفتح: إن إسلامه في خلافة عمر أشهر، وبعد إسلامه انتقل إلى المدينة، وغزا الروم في خلافة عمر، ثم تحوَّل في خلافة عثمان إلى الشام فسكنها إلى أن مات بحمص سنة 32 هـ على أرجح الأقوال في ذلك. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وعن عمر، وصهيب، وعائشة، وروى عنه معاوية، وأبو هريرة، وابن عباس، وعطاء بن أبى رباح وغيرهم. مبلغة من العلم: كان كعب بن ماتع على مبلغ عظيم من العلم، ولهذا كان يقال له: "كعب الحَبْر" و "وكعب الأحبار"، ولقد نُقل عنه في التفسير وغيره ما يدل على علمه الواسع بالثقافة اليهودية والثقافة الإسلامية، ولم يؤثر عنه أنه ألَّفَ كما ألَّف وهب بن منبِّه، بل كانت تعاليمه كلها - على ما يظهر لنا وما وصل إلينا - شفوية تناقلها عنه أصحابه ومَن أخذوا عنه. ثقته وعدالته: أما ثقته وعدالته فهذا أمر نقول به، ولا نستطيع أن نطعن عليه كما طعن بعض الناس، فابن عباس على جلاله قدره، وأبو هريرة على مبلغ علمه، وغيرهما من الصحابة كانوا يأخذون عنه ويروون له، ونرى الإمام مسلماً يُخرِّج له في صحيحه، فقد وقعت الرواية عنه في مواضع من صحيحه في أواخر كتاب الإيمان، كما نرى أبا داود والترمذي والنسائي يُخرِّجون له، وهذا دليل على أن كعباً كان ثقة عند هؤلاء جميعاً، وتلك شهادة كافية لرد كل تهمة بهذا الحَبْر الجليل. 3 - وهب بن مُنَبِّه ترجمته: هو أبو عبد الله، وهب بن منبَّه بن سيج بن ذي كناز، اليماني الصنعانى، صاحب القصص، من خيار علماء التابعين. قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل عن أبيه: كان من أبناء فارس، وأصل والده "منبِه" من خراسان من أهل هراة، أخرجه كسرى منها إلى اليمن فأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وكان وهب بن منبِّه يختلف إلى هراة ويتفقد أمرها، وقيل: إنه تولى قضاء صنعاء. قال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الهروى: ولد سنة 34 هـ في خلافة عثمان، وقال ابن سعد وجماعة: مات سنة 110 هـ وقيل غير ذلك. روى عن أبى هريرة، وأبى سعيد الخدرى، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وجابر، وأنس، وغيرهم، وروى عنه ابناه: عبد الله وعبد الرحمن، وعمر بن دينار، وغيرهم. وأخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود. مبلغه من العلم والعدالة: كان وهب بن منبِّه واسع العلم، كثير الإطلاع على الكتب القديمة، محيطاً بأخبار كثيرة وقصص يتعلق بأخبار الأُوَل ومبدأ العالم، ومما يؤثر عنه أنه ألَّف كتاباً في المغازى، ويحدِّثنا ابن خلكان: أنه رأى لوهب بن منبِّه تصنيفاً ترجمه بذكر الملوك المتوَّجة من حِميَر، وأخبارهم، وقصصهم، وقبورهم وأشعارهم، في مجلد واحد، قال: وهو من الكتب المفيدة. وقال حماد بن سلمة عن أبى سنان: سمعت وهب بن منبِّه يقول: كنت أقول بالقَدَر حتى قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء فى كلها: "مَن جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر" فتركت قولي. وقال الجوزجانى: كان وهب كتب كتاباً في القَدَر ثم حدث أنه ندم عليه. فأنت ترى من بين هذه الأخبار أن وهباً كان على ناحية عظيمة من المعرفة بالكتب الإلهية القديمة، كما ترى أنه لم يثبت على رأيه وعقيدته في القَدَر، بل تركها بعد ما تبين له الحق، وندم على ما كان منه بعد أن ظهر له الصواب، وبعد رجوعه عن رأيه لا يصح أن نطعن عليه من هذه الناحية، ولقد كان وهب يرى في نفسه أنه قد جمع علم ابن سلام وعلم كعب، ويحدِّث هو بذلك عن نفسه فيقول: يقولون: عبد الله بن سلام أعلم أهل زمانه، وكعب أعلم أهل زمانه، أفرأيتَ من جمع علمهما؟ - يريد نفسه. 4 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ترجمته: هو أبو خالد - أو أبو الوليد - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الأموي مولاهم - أصله رومي نصراني. كان من علماء مكة ومحدِّثيهم، وهو مِن أول مَنْ صنَّف الكتب بالحجاز، وهو قطب الإسرائيليات في عهد التابعين، ولو أنَّا رجعنا إلى تفسير ابن جرير الطبري، وتتعبنا الآيات التي وردت في النصارى، لوجدنا كثيراً مما يرويه ابن جرير في تفسير هذه الآيات يدور على عبد الملك، الذي يُعَبِّر عنه دائماً بـ "ابن جريج". روى عن أبيه، وعطاء بن أبى رباح، وزيد بن أسلم، والزهري، وغيرهم. وروى عنه ابناه: عبد العزيز ومحمد، والأوزاعى، والليث، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحماد بن زيد، وغيرهم. قال أبو سعد: ولد سنة 80 هـ (ثمانين)، وأما وفاته فمختلف فيها، فمنهم مَن قال: سنة 150 هـ (خمسين ومائة)، ومنهم مَن قال: سنة 159 هـ (تسع وخمسين ومائة)، وقيل غير ذلك. مبلغه من العلم والعدالة: ابن جريج - كما قيل - هو أول مَن صنَّف الكتب بالحجاز، ويعدونه من طبقة مالك بن أنس وغيره ممن جمعوا الحديث ودَوَّنوه. قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل: قلت لأبى: مَنْ أول مَنْ صنَّف الكتب؟ قال: ابن جريج وابن أبى عروبة. وقال ابن عيينة: سمعت أخي عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج يقول: ما دوَّن العلم تدويني أحد. قد عُرف عن ابن جريج أنه كان رحَّالة في طلب العلم، فقد وُلِدَ بمكة ثم طوَّف في كثير من البلاد، فرحل إلى البصرة واليمن وبغداد وقد رويت عن ابن جريج أجزاء كثيرة في التفسير عن ابن عباس، منها الصحيح، ومنها ما ليس بصحيح، وذلك لأنه لم يقصد الصحة فيما جمع، بل روى ما ذُكِرَ في كل آية من الصحيح والسقيم. أما منزلته من ناحية العدالة، فإنه لم يظفر بإجماع العلماء على توثيقه وتثبته فيما يرويه، وإنما اختلفت أنظارهم فيه، فمنهم مَن وثَّقه، ومنهم مَن ضعَّفه. قال فيه العجلى: مكي ثقة. وقال سليمان بن النضر بن مخلد بن يزيد: ما رأيت أصدق لهجة من ابن جريج. وعن يحيى بن سعيد قال: كنا نسمى كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك بها ابن جريج من كتابه لم يُنتفع به. وقال ابن معين: ثقة في كل ما رُوِى عنه من الكتاب. وعن يحيى ابن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقاً فإذا قال: "حدثني"، فهو سماع. وإذا قال: "أخبرني" فهو قراءة، وإذا قال: "قال"، فهو شبه الريح. وقال الدراقطنى: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يُدَلِّس إلا فيما سمعه من مجروح. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من فقهاء أهل الحجاز وقرَّائهم ومتقنيهم وكان يُدَلِّس. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالى من أين يأخذها، يعنى قوله: أُخْبِرت وحُدِثت عن فلان. وذكر الخزرجى في "خلاصته" أنه مجمع عليه من أصحاب الكتب الستة. هذه هي نظرة العلماء إليه وحكمهم عليه، ونرى أن كثيراً منهم يحكم عليه بالتدليس وعدم الثقة ببعض مروياته، ومع هذا فقد قال فيه الإمام أحمد: إنه من أوعية العلم، ونحن معه في ذلك، ولكنه وعاء لعلم امتزج صحيحه بعليله، ولا نظن إلا أن الإمام أحمد يعنى ذلك، بدليل ما تقدم عنه من قوله: "بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، وكان ابن جريج لا يبالى من أين أخذها". وكان الإمام مالك رضي الله عنه يرى فيه أنه لا يبالى من أين يأخذ، فقد روى عنه أنه قال: كان ابن جريج حاطب ليل. ثالثاً: حذف الإسناد حذف الإسناد هو السبب الثالث والأخير الذي يرجع إليه ضعف التفسير المأثور، وسبق أن أشرنا إلى مبدأ اختصار الأسانيد، ونعود إليه فنقول: إنَّ الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا يتحرون الصحة فيما يتحملون، وكان الواحد منهم لا يروى حديثاً إلا وهو متثبت مما يقول، ولكن لم يُعرف عن الصحابة أنهم كانوا يسألون عن الإسناد، لما عُرفوا به جميعاً من العدالة والأمانة. وإذا كان الأمر قد وصل ببعضهم إلى أنه كان لا يقبل الحديث إلا بعد أن تثبت عنده صحته بالشهادة أو اليمين كما دلَّت على ذلك الآثار الكثيرة، فإن الغرض من ذلك هو زيادة التأكد والتثبت، لا عدم الثقة بمن يروون عنه منهم ثم جاء عصر التابعين، وفيه ظهر الوضع وفشا الكذب، فكانوا لا يقبلون حديثاً إلا إذا جاء بسنده، وتثبتت لهم عدالة رواته، أما إن حُذِف السند، أو ذُكِر وكان في رواته مَنْ لا يُوثق بحديثه، فإنهم كانوا لا يقبلون الحديث الذي هذا شأنه، فقد روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين أنه قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم". ظل الأمر في عهد التابعين على هذا، فكان ما يروونه من التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، لا يروونه إلا بإسناده، ثم جاء بعد عصر التابعين مَن جمَّعَ التفسير، ودَوَّن ما تجمَّع لديه من ذلك، فأُلِّفت تفاسير تجمع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فى التفسير، وأقوال الصحابة والتابعين، مع ذكر الأسانيد، كتفسير سفيان بن عيينة، و وكيع بن الجراح، وغيرهما ممن تقدَّم ذكرهم. ثم جاء بعد هؤلاء أقوام ألَّفوا في التفسير، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال غير معزوَّة لقائليها، ولم يتحروا الصحة فيما يروون، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل. ثم صار كل مَنْ يسنح له قول يورده، ومَنْ يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه مَنْ يجئ بعده، ظاناً أنَّ له أصلاً، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السَلَف. وفى الحق أن هذا السبب يكاد يكون أخطر الأسباب جميعاً، لأن حذف الأسانيد جعل مَنْ ينظر في هذه الكتب يظن صحة كل ما جاء فيها، وجعل كثيرا من المفسِّرين ينقلون عنها ما فيها من الإسرائيليات والقصص المخترع على أنه صحيح كله، مع أن فيها ما يخالف النقل ولا يتفق مع العقل. وإذا كان للوضع خطره، وللإسرائيليات خطرها، فإن هذا الخطر كان من الممكن تلافيه لو ذُكِرت لنا هذه الأقوال بأسانيدها، ولكن حذفها - وللأسف - عمَّى علينا كل شيء، وليت هؤلاء الذين حذفوا الأسانيد وعنوا بجمع شتات الأقوال فعلوا كما فعل ابن جرير من رواية كل قول بإسناده، فهو وإن كان لم يتحر الصحة فيما يرويه، إلا أن عذره في ذلك، أنه ذكر لنا السند مع كل رواية يرويها، وكانوا يرون أنهم متى ذكروا السند فقد خرجوا عن العهدة، فإن أحوال الرجال كانت معروفة في العهد الأول، وبذلك تعرف قيمة ما يروونه من ضعف وصحة. |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
إلين الحين منزلة سبع محاضرات والثامنة مانزلت لأن هي تنزل المحاضرات يالأحد أتوقع أو الإثنين
بالتوفيق للكل مع ملاحظة هذي المحاضرات هي اللي نذاكرها بس واللي مكتوب فيه انظري الكتاب نرجع فيه للكتاب دعواتكن لي بالتوفيق والنجاح .......... :love080: |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
عيون النداوي
ياااااااحبيلك .. وجزاك الله خييير كنت ادور المحاضرات لاني ماعرفت ادخل ع الويب ستي :icon9: من جد مررره شكراً :106::106::106: |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
الله يعطيك ألف عافيه يارب ..
فعلا ساعدتيني وساعدتي كثيــــــــــــر بنات بشكل ماتتصورينه .. الله يجعله في ميزان حسناتك ...~ :106: |
رد: محاضرات مناهج مفسرين كاملة للفرقة الثالثة
:love080:تسلمين حبيبتي مشكورررررررره:love080:
:love080:الله يعطيك الف عافيه:love080: |
All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 02:52 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك
الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه