المقارنة داء الأُلفة
صالح الثرباني
قلوب احتواها الحزن والتعب تارة, والفراغ والتفكير تارة آخرى, وبين الحالتين شتم ولعن وخصام, يتكرر كل مرة, يحدث فيها الارجاع الفكري, إلى نفس الفكرة الأولى, مع كثرة التراكمات المشكلاتية التي تنبحث من سوء إدراك وإدارة, فيحدث معها تصادمات وارهاصات شديدة القساوة, بين اوساط المجتمع, بداية من الأسرة النووية, إلى الإطار المجتمعي العام, وغالب هذه المنازعات تحدث بين الزوجين, فإذا وقعت قلبت المعنى العام للفظ "الزوجين" من معناه الاساسي الرحمة والسكنى والمودة, إلى لفظ "الغريمين" معنى العداوة وعدم التسامح, وما يجعل هذا الحدث في غاية الاشتعال, شيء ربما لا نضعه في الحسبان كثيرًا, وقد لا يكون في الحسبان قطعًا, وليس هو فقط, ولكن هذا العامل مُتصدر القائمة من حيث القوة المعنوية التي يبعثها في النفوس, فيجعل منها, ذلك المصارع أمام خصمه.
المقارنة داء الأُلفة
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"
لو أخذنا هذا الحديث الشريف من منظور واقعي, وجدنا أن الحياة قائمة على التوازن, وأن هذا التوازن ينبحث من الرضى عن ما يأتيك في حياتك, الرضى الذي أمرنا الله به, دون النظر إلى ما يمتلكه الآخر, من مميزات لا تجده في حياتك, ولو بحثت عنها بغير هذا المنظور الواقعي, لن تجني سوى ضرر "الآخر" لما يُصب في "الأنا" من الانعكاسات التي تتمخض عن "الآخر" ولا ريب في النظرة الاقتدائية التي تجعل من النفس آلة تقود إلى الرُقي, وهذا لا خلاف فيه, بل هو مطلب الجميع, ولكن من الوجه المقابل المعاكس, من حيث المنهج العلمي والعملي, تكمن نقطة الضياع التي تتصدر قائمة " الممنوع النفسي" ويندرج تحت هذا المُسمى (الحسد, وظلم الآخرين, وظلم النفس) فنعدما يُتخذ هذا المبدأ, كمنهج للتقدم والتطوير الذاتي, فإن الناتج عنه لا محالة, استعصاء المطلب الاساسي الذي من أجله وُضعت الأداة الأولى لتقدمه " المقارنة" فالمقارنة بطبيعة الحال لن تُحدث أي تغيير قطعًا, لأن في الأصل إذا كان هذا الإنسان قد عزم على تقنين فكرة, والعمل عليها, بناءً على ما يمليه عليه مبدأ "المقارنة" فإن الحال لا يخرج عن الحسد الذي هو تمنى زوال النعمة, وبهذا قد أشكل بمستوى عالٍ جدًا, في منهجية تطوير الذات, أو أي هدفٍ يسعى إلى تحقيقه, والامر لا يتوقف هنا, بل إن هذا الاشكال قد يغير في النفس بطريقة لا إرادية حتى داخل الأسرة, وكثير ما يحدث من النساء, عندما تضع نفسها في محل المقارنة مع زوجها, فتارة تنعته بالأناني, لمجرد كثرة الخروج من البيت, دون الخروج بها, مع العلم أنّ الأصل في خروج الرجل الفرض القائم تحت ذريعة النفقة, وتارة في الكماليات الآخرى غير المفروضة أصلًا سوى فرضية الزمان أحدثتها, ومنها القيادة, و عدم الحجاب, والتحدث مع الآخرين, وغيرها, وهذا الاستياء من قبّل المرأة , هو ما أحدثه العالم الإفتراضي من تغيرات على العالم الواقعي, وهذه الطريقة التي تُستخدم من قبّل بعض النساء, خطرها ينعكس على أركان الحياة بينهما, إذا أنّ الحال يتطلب مراعاة عمل كلٍ منهما, فإذا خرج عن هذا الإطار فسد, وأفسد ما حوله.
الغاية من هذا كل أنّ المقارنة سواء كانت بين الزوجين أو بين آخرين لن تقدم سوى مزيدًا من التعقيدات والتهديدات على النفس.
|